إعلام فاسد؟ كلا... بل مفسدون للإعلام


كثر التركيز منذ فترة على استخدام مصطلح «الإعلام الفاسد» من قبل نواب وشخصيات سياسية واجتماعية رأوا في ما يكتب ويبث هجوما غير تقليدي عليهم تجاوز من وجهة نظرهم «التقاليد والأعراف»... ومع ذلك، وتبياناً للحق وانتصاراً للمنطق، لا بد من بعض التوضيحات كي لا يظلم الإعلام من جهة وتضيع البوصلة لدى مهاجميه من جهة أخرى.
بادئ ذي بدء، لا بد من الاعتراف بأن الإعلام سلطة كغيرها من السلطات وإن لم تكن لها الهيكليات نفسها. هي سلطة فاعلة ومؤثرة وعلى تماس يومي بهموم الناس وآمالهم وطموحاتهم، تمدهم بالخبر والرأي والتحليل والتحقيق ويمدونها بقضاياهم وما أكثرها، تكشف وسائل الإعلام مواطن الخلل والفساد والهدر والتجاوزات فيتفاعل الناس معها وتصبح صوتهم كما تصبح أداة مساعدة لصاحب القرار في اتخاذ الموقف العادل والمبادرة الصادقة والإصلاح المنشود.
وبما ان «جنس الملائكة» غير موجود لا على الأرض ولا داخل أي سلطة تعتري وسائل الإعلام أخطاء وشوائب وإن كانت لا تقارن في نتائجها السلبية على الوطن والمواطن بعمليات الفساد والسرقات والتجاوزات التي تحصل في سلطات أخرى ومؤسسات أخرى وإدارات أخرى، فتهدر المليارات من المال العام وتكبل الجيل الكويتي الطامح بسلسلة قيود تحرمه من التقدم والانطلاق.
ومع ذلك، ومن موقعنا المتقدم في قلب السلطة الرابعة، واستنادا إلى تاريخنا «المحارب» من أجل قضايا الكويت والكويتيين الذي يشهد لنا به خصومنا قبل أصدقائنا، نقول إنه لا يوجد إعلام فاسد بل جهات فاسدة تستخدم المال وغيره من وسائل الترغيب لإفساد وسائل الإعلام من خلال تسخيرها لتمجيدها والدفاع عنها من جهة وطعن خصومها من جهة أخرى.
الأمور يجب أن تكون واضحة في هذا الإطار، فالقضية لا تتعلق بهوية الإعلام نفسه إنما بهوية من يسعى إلى توظيف الإعلام وتسخيره وتطويعه وتحويله إلى بوق وسلاح، وحبذا لو تحدث الغاضبون بشيء من الروية والمنطق في مقاربتهم لهذه المسألة واستناداً إلى قانون المطبوعات نفسه الذي يبدو أن وزير الإعلام يستشهد به في كل مناسبة من دون أن ينتبه إلى ضرورة تفعيل مواده، خصوصا تلك المتعلقة بالتمويل، أي بالعنصر الأساس الذي يحدد مصداقية واستقلالية وحيادية ومهنية أي وسيلة إعلامية.
إن أي وسيلة إعلامية هي وسيلة حرة طالما كان تمويلها ذاتيا بغض النظر عما تطرحه من آراء، أو عن هويتها وموقعها، أو عن أسلوبها في المعالجة، أو عن طريقتها في النقد وكشف التجاوزات، أو في حملاتها المدافعة عن المال العام. ومتى ما دخل في حسابها دينار من الخارج فهذا يعني خسارتها الفورية لحريتها لأن من يعطي باليمين يأخذ باليسار، ولأن من يعطي ليس جمعية خيرية وليس صاحب رؤية تجارية قائمة على ربحية صناعة الإعلام، وهو بالتأكيد ليس شخصاً منزها عن الأغراض الخاصة بغض النظر عن صوابية قضيته من عدمها.
هذا هو المسمار الأول في نعش استقلالية وسيلة الإعلام، ومعالجة هذه القضية بشكل جذري تكون من خلال تجفيف منابع التمويل الخارجية وغير الشرعية لوسائل الإعلام، أي تجفيف ما يعتبره المهاجمون اليوم «الفساد الإعلامي» فيما التعبير الأدق هو «وقف الافساد الإعلامي»... وهو الأمر المنصوص عليه بكل وضوح وشفافية في مواد قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع والذي تقاعس وزير الإعلام عن تطبيقها خصوصاً لجهة التدقيق على حسابات المؤسسات الإعلامية ما كان له الأثر الكبير في سقوط بعض المؤسسات في فخ التمويل الخارجي ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
إن مواد قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع تنص على أن تتولى الوزارة المختصة تعيين مراقب حسابات يتولى تدقيق وبيان المركز المالي لحسابات المؤسسة أو الشركة المرخص لها بإصدار صحيفة وفق الأنظمة والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير المختص. كما نصت اللائحة التنفيذية على أن تتولى الوزارة تعيين مراقب حسابات لتدقيق وبيان المركز المالي لحسابات المؤسسة أو الشركة المرخص لها بإصدار وسيلة إعلامية وله في هذا الخصوص الاطلاع على السجلات والحسابات والمستندات الخاصة بها. ويجب على المرخص له الاحتفاظ بسجلات منتظمة عن حسابات مؤسسته ومركزها المالي وتزويد الوزارة بها حال طلبها وتمكين مراقب الحسابات من الاطلاع عليها.
هل فعلت الوزارة ذلك؟ أم انها تركت لأطراف أخرى أخذ زمام المبادرة في اطارها السياسي لا التقني من أجل خلق حالة حرب بين نواب وشخصيات من جهة ووسائل إعلام من جهة أخرى؟
الجواب بالطبع: الوزارة تقاعست.
ان الشفافية هي الحجر الأساس في قضية الإعلام، ففي الدول المتقدمة والتي تسبقنا بأشواط في اطار الحريات والديموقراطية يمكن للصحف والتلفزيونات أن تنقل ما تريد إنما يستحيل عليها أن تخفي مصادر تمويلها للسلطات المختصة أو أن يدخل إلى موازنتها مال سياسي. ولو مارس الوزير عندنا دوره لكان اختصر كل هذه المرحلة. وحتى لا نكون مثل الذين يحاربون بحبر غيرهم وبسلاح غيرهم، نتشرف في «الراي» بأن نكون أول من يكشف حساباته لمدققي وزارة الإعلام مع التشديد على أن يكونوا من كفاءات ديوان المحاسبة، بل نطلب التوسع في التدقيق للتأكد بشكل تفصيلي من مصادر الأموال في أي مؤسسة حتى وان استدعى الأمر التوسع في التدقيق لأبعد مدى. كذلك نطلب نشر نتائج التدقيق بشكل علني ليعلم الجميع الحقيقة على الرغم من أن القارئ يدرك تماماً من خلال متابعته لمواقف كل وسيلة إعلامية حجم التغيير الذي طرأ على خطها ونهجها في الفترة الأخيرة وهو قادر على تفسير هذا التغيير.
ويا وزير الإعلام، خذ المبادرة اليوم واسحب قضية الإعلام من سوق المزايدات أو من «الحروب بالواسطة» بين السياسيين، وها نحن أصحاب المؤسسات الإعلامية نفتح لكم دفاترنا وأوراقنا وسجلاتنا وحركة أموالنا فلا تستثني أحدا من الرقابة والمحاسبة حماية لوسائل الإعلام نفسها... وحرصاً على مصداقيتكم وقسمكم.
جاسم بودي
بادئ ذي بدء، لا بد من الاعتراف بأن الإعلام سلطة كغيرها من السلطات وإن لم تكن لها الهيكليات نفسها. هي سلطة فاعلة ومؤثرة وعلى تماس يومي بهموم الناس وآمالهم وطموحاتهم، تمدهم بالخبر والرأي والتحليل والتحقيق ويمدونها بقضاياهم وما أكثرها، تكشف وسائل الإعلام مواطن الخلل والفساد والهدر والتجاوزات فيتفاعل الناس معها وتصبح صوتهم كما تصبح أداة مساعدة لصاحب القرار في اتخاذ الموقف العادل والمبادرة الصادقة والإصلاح المنشود.
وبما ان «جنس الملائكة» غير موجود لا على الأرض ولا داخل أي سلطة تعتري وسائل الإعلام أخطاء وشوائب وإن كانت لا تقارن في نتائجها السلبية على الوطن والمواطن بعمليات الفساد والسرقات والتجاوزات التي تحصل في سلطات أخرى ومؤسسات أخرى وإدارات أخرى، فتهدر المليارات من المال العام وتكبل الجيل الكويتي الطامح بسلسلة قيود تحرمه من التقدم والانطلاق.
ومع ذلك، ومن موقعنا المتقدم في قلب السلطة الرابعة، واستنادا إلى تاريخنا «المحارب» من أجل قضايا الكويت والكويتيين الذي يشهد لنا به خصومنا قبل أصدقائنا، نقول إنه لا يوجد إعلام فاسد بل جهات فاسدة تستخدم المال وغيره من وسائل الترغيب لإفساد وسائل الإعلام من خلال تسخيرها لتمجيدها والدفاع عنها من جهة وطعن خصومها من جهة أخرى.
الأمور يجب أن تكون واضحة في هذا الإطار، فالقضية لا تتعلق بهوية الإعلام نفسه إنما بهوية من يسعى إلى توظيف الإعلام وتسخيره وتطويعه وتحويله إلى بوق وسلاح، وحبذا لو تحدث الغاضبون بشيء من الروية والمنطق في مقاربتهم لهذه المسألة واستناداً إلى قانون المطبوعات نفسه الذي يبدو أن وزير الإعلام يستشهد به في كل مناسبة من دون أن ينتبه إلى ضرورة تفعيل مواده، خصوصا تلك المتعلقة بالتمويل، أي بالعنصر الأساس الذي يحدد مصداقية واستقلالية وحيادية ومهنية أي وسيلة إعلامية.
إن أي وسيلة إعلامية هي وسيلة حرة طالما كان تمويلها ذاتيا بغض النظر عما تطرحه من آراء، أو عن هويتها وموقعها، أو عن أسلوبها في المعالجة، أو عن طريقتها في النقد وكشف التجاوزات، أو في حملاتها المدافعة عن المال العام. ومتى ما دخل في حسابها دينار من الخارج فهذا يعني خسارتها الفورية لحريتها لأن من يعطي باليمين يأخذ باليسار، ولأن من يعطي ليس جمعية خيرية وليس صاحب رؤية تجارية قائمة على ربحية صناعة الإعلام، وهو بالتأكيد ليس شخصاً منزها عن الأغراض الخاصة بغض النظر عن صوابية قضيته من عدمها.
هذا هو المسمار الأول في نعش استقلالية وسيلة الإعلام، ومعالجة هذه القضية بشكل جذري تكون من خلال تجفيف منابع التمويل الخارجية وغير الشرعية لوسائل الإعلام، أي تجفيف ما يعتبره المهاجمون اليوم «الفساد الإعلامي» فيما التعبير الأدق هو «وقف الافساد الإعلامي»... وهو الأمر المنصوص عليه بكل وضوح وشفافية في مواد قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع والذي تقاعس وزير الإعلام عن تطبيقها خصوصاً لجهة التدقيق على حسابات المؤسسات الإعلامية ما كان له الأثر الكبير في سقوط بعض المؤسسات في فخ التمويل الخارجي ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
إن مواد قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع تنص على أن تتولى الوزارة المختصة تعيين مراقب حسابات يتولى تدقيق وبيان المركز المالي لحسابات المؤسسة أو الشركة المرخص لها بإصدار صحيفة وفق الأنظمة والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير المختص. كما نصت اللائحة التنفيذية على أن تتولى الوزارة تعيين مراقب حسابات لتدقيق وبيان المركز المالي لحسابات المؤسسة أو الشركة المرخص لها بإصدار وسيلة إعلامية وله في هذا الخصوص الاطلاع على السجلات والحسابات والمستندات الخاصة بها. ويجب على المرخص له الاحتفاظ بسجلات منتظمة عن حسابات مؤسسته ومركزها المالي وتزويد الوزارة بها حال طلبها وتمكين مراقب الحسابات من الاطلاع عليها.
هل فعلت الوزارة ذلك؟ أم انها تركت لأطراف أخرى أخذ زمام المبادرة في اطارها السياسي لا التقني من أجل خلق حالة حرب بين نواب وشخصيات من جهة ووسائل إعلام من جهة أخرى؟
الجواب بالطبع: الوزارة تقاعست.
ان الشفافية هي الحجر الأساس في قضية الإعلام، ففي الدول المتقدمة والتي تسبقنا بأشواط في اطار الحريات والديموقراطية يمكن للصحف والتلفزيونات أن تنقل ما تريد إنما يستحيل عليها أن تخفي مصادر تمويلها للسلطات المختصة أو أن يدخل إلى موازنتها مال سياسي. ولو مارس الوزير عندنا دوره لكان اختصر كل هذه المرحلة. وحتى لا نكون مثل الذين يحاربون بحبر غيرهم وبسلاح غيرهم، نتشرف في «الراي» بأن نكون أول من يكشف حساباته لمدققي وزارة الإعلام مع التشديد على أن يكونوا من كفاءات ديوان المحاسبة، بل نطلب التوسع في التدقيق للتأكد بشكل تفصيلي من مصادر الأموال في أي مؤسسة حتى وان استدعى الأمر التوسع في التدقيق لأبعد مدى. كذلك نطلب نشر نتائج التدقيق بشكل علني ليعلم الجميع الحقيقة على الرغم من أن القارئ يدرك تماماً من خلال متابعته لمواقف كل وسيلة إعلامية حجم التغيير الذي طرأ على خطها ونهجها في الفترة الأخيرة وهو قادر على تفسير هذا التغيير.
ويا وزير الإعلام، خذ المبادرة اليوم واسحب قضية الإعلام من سوق المزايدات أو من «الحروب بالواسطة» بين السياسيين، وها نحن أصحاب المؤسسات الإعلامية نفتح لكم دفاترنا وأوراقنا وسجلاتنا وحركة أموالنا فلا تستثني أحدا من الرقابة والمحاسبة حماية لوسائل الإعلام نفسها... وحرصاً على مصداقيتكم وقسمكم.
جاسم بودي