محمد جعفر: قضيت خمسين عاما «حلواني» في الكويت

تصغير
تكبير
إعداد : سعود البعيجاني



ضيفنا هذا الاسبوع من الرجال العصاميين الذين واظبوا على عمل واحد، عمل ورثه من والده وتعلمه منه واشتهر به. محمد جعفر قدم إلى الكويت وهو ابن اثنى عشر عاما وعمل كما وجد والده حلواني تطور العمل فتطور معه حتى غدا عمره فيه نصف قرن من الزمن،

يحدثنا عن مسيرته ثم عن الصعوبات التي واجهته في حياته، وكيف كانت طريقة عملهم بالحلوى حين بدأ عمله بهـا وما هي أصول العمل اليدوي ثم يذكرنا أخلاق الزبائن وحسن عملهم في الماضي، وما حالهم اليوم.

أحاديث شيقة ومتنوعة يتخللها الحديث عن صديق عمره في هذا العمل. راشد ابوفتين فلنترك له الحديث.

أنا قدمت الى الكويت وعمري اثنى عشر عاما من ايران الأوضاع حينما جئت كانت تختلف عن يومنا هذا فالبلاد مفتوحة أمام الجميع الناس تأتي وتذهب دونما أي مضايقة فاللنجات البحرية خاصة من بلادي لا تنقطع عن الخليج والكويت وحين وصولي من مدينة عبادان كان معي في المركب أكثر من 45 نفرا كلهم قادمون للكويت وقد كنت جئت للكويت قبل ذلك مرة أو مرتين لكن لا امكث طويلا الا في هذه السفرة دخلت ولم أخرج منها الا وانا موفر عمل لي دائم وبدأت انخرط في ركب الحياة والمراكب الخشبية التي كانت الناس تأتي فيها للكويت هي أصلا معدة لنقل البضائع من خضراوات وثلج وغيرها وعائلتي كانت مقيمة في جنوب ايران «خوجتان» وانا من أصل بختياري وعمل والدي كان بالحلوى فهو حلواني لذلك عملت بالحلوى في الكويت لان لي معرفة ودراية بها من رهش وزلابيا وقدقري وغيرها من انواع الحلوى كنت اعرفها منذ الصغر وانا الذي نشر بعض الحلويات التي كانت معروفة في ايران نقلتها الى السوق الكويتي وهي لم تكن معروفة لديهم مثل «الفلودة» القرقري والزلابيا وما زلت اذكر صاحب اللنج الذي جئت معه أول وهو من جماعتنا وكل من كان معه له صلة به سواء قريب أو من منطقته حسب المعرفة لما دخلت الكويت هو رجع الى البلاد وكلما جاء يسأل عني، أين أنا حتى وجدني في أحد القهاوي وقال تريد ان ترجع قلت له لا انا اعمل هنا في الكويت فقال كما تريد والكويت وايران بلد واحد.


النزول

أول ما وضعت قدمي في أرض الكويت بالقرب من قصر السيف حيث ان أهل المراكب تضع حمولتها هناك في النقع البحرية المجاورة لها وكل المراكب الشراعية التي تأتي من الهند واليمن والخليج هذا مكان مرساها والمسافر من ايران، والكويت قريبة إلى حد ما لكن الوسائل في الماضي كانت متواضعة لذلك نشعر بطول المسافة وطول ساعات السفر اليوم أربع ساعات، بالماضي أكثر من اثنتي عشرة ساعة سكنت منطقة الشرق والكويت القديمة ليست مثل اليوم بالعمران والعملة كانت بالروبية الهندية وأول شيء عملته هو بحثي عن محلات الحلويات لأنني على علم ودراية بها فذهبت الى سوق دعيج اسأل وأشاهد فعملت في أحد محلات الحلوى حتى اتقنت اللغة العربية وطبيعة التعامل مع الزبائن ثم انتقلت الى البيوت التي هي بمثابة مصانع للحلوى حيث ان في ذلك الوقت كانت الحلويات من رهش وغيره ليس لها مصانع خاصة بها بل في البيوت وتطهى بالخشب والكاز من غير كهرباء والقدور والاواني والصحون كانت تختلف عن اليوم، عمل شاق لكن متقن وأول شخص أعمل معه كان عبدالنور له بيت يعمل به حلوى الغريبة وراتب شهري مقسم على أيام الشهر كل عشرة أيام اقبض أجري منه ولم اكن أعمل معه الا حلوى الغريبة فقط فهو لا يعمل سواها ثم انتقلت الى عبدالله الملقب بعبدالله الحلواني ومكان عمله في شارع الاستقلال وكل المناطق الداخلية في الكويت متداخلة الشرق والجبلة والمرقاب ولم استمر مع عبدالله الحلواني اكثر من شهرين حيث شاهدني راشد بوفتين وانا أعمل فعرض علي العمل معه فوافقت.


البداية

بدايتي مع راشد بوفتين كلفني ان اعمل بوظة الكويتية عنده وهي يطلق عليها باللهجة الكويتية «الدندرمة» وهي عمل بدائي من سكر وماء وحليب وصار لها شهرة عند الناس والكل يأتي ويسأل عنها يريد شراءها وعرف المحل بالدندرمة وانا كنت أصنعها من غير ألوان، ملح وثلج مع بستي ملفوف بها حتى لا يذوب الثلج وكان ذلك في بيت بوفتين والصناديق التي نستخدمها كانت خشبية وموقع المحل في الشرق في البيوت القديمة ثم انتقلنا الى سوق دعيج وساعات العمل كانت متواصلة ثم أخذنا نعمل أنواع الحلويات الأخرى من رهش وغيره وأتينا بعمال معنا لأن الشغل زاد وطلب الحلوى من الناس متواصل والايدي العاملة عندما تعمل معنا نحن نعلمها أصول العمل حتى تتمكن منه تأتي وتعمل معنا وهي لا تعرف شيء لكن بمرور الوقت ملاحظتنا وعنايتنا تصبح متمكنة وتعمل بدقة متناهية


الجديد

بعدها أخذنا محلنا الذي عرفنا به أكثر وهو حلويات الكواكب في شارع مبارك الكبير عمارة المزرعة وكان ذلك في سنة 1966 وانا مع راشد جمعة بوفتين ملازما له لا اتركه ولم يكن في هذه المنطقة التي يطلق عليها «تاسع» الا بعض المحلات وكل ما يجاورها بيوت طين.


الساعات

كنا نفتح محلنا بعد صلاة الفجر ونرى الناس واقفين أمامه كل يريد ان يشتري الحلويات التي عندنا كل يحمل ماعونا يريد زلابيا ولقيمات ورهش ونواصل البيع في المحل وتزويده بالحلويات لا نخرج الاعندما يظلم الليل وتغلق المحلات التي بجوارنا.


الأكثر

أكثر مبيعا لنا هو الحلوى والرهش فالرهش عرفنا به في الكويت والشرق الأوسط فنحن انشهرنا به أيضا، فالرهش الكويتي كان له مزة على غيره وله زبائنه في الكويت والخارج حتى اننا نعمل كميات كبيرة للتصدير للخارج الى كندا واميركا وكنا نستخدم الاواني المصنوعة من استيل خلاف اليوم من البلاستيك.


عربي

البيت الذي كنا نعمل فيه الحلوى كان بيتا عربيا كبيرا، جزء منه للسكن أي الايدي العاملة التي معي في المحل والقسم الآخر كبير نطهي فيه الحلوى به مخزن للوقود الذي نطهي به الحلوى ولم يكن احد يعمل مثلنا في جودة حلوى الرهش رغم كثرة المحلات التي كانت قديما وجاء غيرها حديثا كان راشد ابوفتين رحمه الله هو المشرف عليه بنفسه ونحن العمال حوله وهو موجه لنا اعملوا هكذا... أخذ هذا... نقص - زيد هو بنفسه راشد بوفتين يلاحظ الشغل ويشرف عليه من زعفران وهيل.


البيع

كنا أقل يوم نبيع فيه رهش 600 كيلوغرام أو 700 كيلوغرام هذا أقل ناتج لنا نزود المحلات بالداخل ونصدر للخارج كانت اللنجات والمراكب التي تأتي بالدبس من العراق أو ايران او السعودية أول حمولة منهم يقولون لي بوفتين لاننا نشتري منهم كميات كبيرة لأجل المصنع الخاص بنا.


المكونات

الرهش وهو أكثر حلوى عرفنا بها كنا نوليها اهتماما كبيرا وعناية خاصة من حيث الشغل والعمل ويتكون من دبس التمر خاصة وهددة التي تستخرج من السمسم وهو مفيد للعظام ومصف للدم «كليسترول» ولم نكن نجعل أي حبة سكر كأن الزبون يأكل تمرا مع سمسم وهو مفيد جدا لجسم الانسان وعظامه والمرأة الحامل مفيد لها حتى الأعصاب والذهن ايضا مفيد لكن اليوم كثر مرض السكر وتغيرت أحوال الناس الصحية بالأول لم يكن احد يشكي من هذه الامراض التي كثرت كنا نرى الزبائن على اختلاف اعمارهم وجنسياتهم كلهم حيوية ونشاط يأكلون الحلوى لا أحد يقول انا ممنوع من تناولها طبيا.


الرملية

كان يطلق على الرهش الكويتي رهيشة رملية وهو مميز بلونه وطعمه ورائحته الى يومنا هذا الناس الذين في أوروبا يأتون ويقولون ان الرهش الكويتي الذي كان معروفا منذ عشرين سنة نقول هو عندنا كما هو.


السمسم

كنا نستورد لأجل عملنا السمسم من الهند وايران والسودان كلما جاءت نوعية ممتازة نحن بخبرتنا نعرفها نشتريها اما الدبس فكان الدبس العراقي هو الأفضل وهو الذي ميز الرهش الكويتي وهو كان كأنه زبدة نقطعها بالسكين ليس كما هو مشاهد كأنه عليه ماء نضعه في الجدر ونغليه بالخشب خشب النار ثماني ساعات حتى يصبح ابيض اللون ثم نضع السمسم وماء الورد والهيل وحبة الحلوى ثم نوزعه على حسب الطلب بالصواني او الجدور او الصحون والزبائن أكثر ما كانت تأتي الى المعمل في البيت ليس المحل من عمق العلاقة التي امتدت سنين معها.


العلب

بالأول كنا نستورد العلب والصواني من الهند وايران والصين مصنعة جاهزة ثم ركبنا مع التطور واخزنا نضع عليها اسم الكواكب وهو اسم أخذ شهرة كأنه بيبسي كولا في يومنا هذا.


المحل

كانت دكاكين الكويت جميعها تشتري منا وخصوصا الفحيحيل والفروانية والجهراء واما السوق السعودي فكانت شاحنات النقل الكبيرة تأخذ حمولتها منا رهش وكيك وبقصم وقرص عقيلي.


التطور

يوم عن يوم أخذنا نتطور ونتوسع بالشغل فجعلنا المكائن والآليات الحديثة ثم افتتحنا أربعة محلات تابعة لنا وكان ذلك قبل 1990 لكن للاسف لم تستمر والسبب الغزو الذي حدث للبلاد.


العمالة

العمالة التي كانت تعمل لدينا بالماضي من جنسيات عديدة يمنية وايرانية وعراقية وايضا كويتية كان عندنا اربعة كويتيين يعملون لدينا ويشتغلون وعملنا اذا لم يكن معزبنا راشد بوفتين عندنا خرب ولم يضبط الشغل والعمل لا ينضبط الا بوجود بوفتين من بيننا.


الزبائن

أكثر زبائننا في الماضي من النساء فهن الأكثر شراء منا ثم أصحاب الدواوين والوزارات منها وزارة الدفاع وأصحاب المناسبات وخصوصا الأفراح والزواج الرهش شيء أساسي عندهم وكان أمراء البحرين يأخذون منا وكذلك امراء السعودية وقطر وأما أهل عمان فكانوا يأخذون الرهش ويأتون بالحلوى واليوم عندنا حلوى كماعندهم.


الإلمام

سنة 1975 أصبح مديرا للمعمل والمصنع ثم جئت للمعرض اما المصنع فالحكومة أعطتنا أرضا بالشويخ 1000 متر لأجل المعمل في هذا الوقت جئت مع المرحوم بوفتين الى المعرض وانا حين بدايتي مع بوفتين كنت عاملا في الشغل تحت يد راشد بوفتين ثم رأى فيَّ النباهة والفهم السريع جعلني اعمل الرهش كما يريد وفعلا اعمل الرهش والشغل كما هو فاستمررت معه وزاد راتبي وأعطاني مكافئة على الراتب لانه كان يحرص على الشغل وعلى اسمه في السوق فالكل يعرف محل بوفتين وانه راق بالعمل ولم أفارق بوفتين من أول يوم عملت عنده.


التسلسل

كنت عاملا مع العمال ثم طول زمن العمل وعمق علاقتي مع عمي راشد بوفتين واخلاصي بالعمل وتعلمي منه أصول العمل التي تحافظ على اسمنا في السوق وجودة شغلنا اصبحت مديرا للمعرض والمحل وأنا اليوم صاحب المحل مع ورثة راشد بوفتين أولاده أنا معهم يدا واحدة نحافظ على اسم المحل ونمشي في طريق الخير والحمد لله رب العالمين شركاء في الخير والمحبة.


المحبة

كنا في العمل متحابين نعمل بجد واحترام ونأكل على سفرة واحدة مع بعض ومعنا صاحب العمل بوفتين رحمه الله كان متواضعا يراعي العمل ونحن العاملين مثل أولاده.


الاستمرار

لا ازال ارعى وأشاهد البعض المتبقي من زبائننا الاولين رغم تقدم العمر بهم وأكثر ما اشاهد من يأتي لأخذ الحلوى والرهش للأفراح خصوصا البدو لا يعرفون الا محل بوفتين والرهش والحلوى وخبز تنور وجبة اساسية بالاعراس للافطار.


العروس

الكويت كانت عروس الخليج وكنا في خمسينات كل من أراد العمل في خارج أول بلد يفكر به الكويت انا بلدي في ايران اسمها «مشهد سليمان» وهي أول بلد اكتشف به النفط في الشرق الأوسط وبينها وبين عبادان 200 كيلو متر.


الشعبية

كانت القهاوي الشعبية مليئة بأهل البحر من نواخذة والعاملين في البحر وانا اخذت ثماني سنوات حين قدومي للكويت لم أخرج منها كانت سنين متواصلة كلها عمل وشغل.


الحليب

الحليب الذي كنا نستخدمه للدندرمة والبوظة كنا نأخذه من الجهراء والفحيحيل من الناس حليب محلي من الاغنام طازج خلاف اليوم مجفف كان السوق المحلي يستوعب الكميات الموجودة.


المدة

ان اليوم لي أكثر من 50 عاما وانا حلواني قدمت الى الكويت سنة 1957 ورأيت الكويت على طبيعتها والبيوت القديمة وناس بسطاء وهذه المهنة علمتني الصبر والصراحة والاخلاق الحلوة والبعد عن الطمع وعدم الزيادة في السعر نحن اليوم أسعارنا كما كانت.


الزواج

زواجي جاء متأخرا لان الزواج في نظري مسؤولية وأنا أيضا كنت مشغولا في العمل في المحل مع راشد بوفتين أبوعادل لذلك كان زواجي سنة 1981 في ايران ثم جئت بزوجتي واليوم الحمد لله عندي اولاد وبنتي الكبرى تدرس في الخارج وابنائي الثلاثة هم أمير وحسن وحسين ودراسة ابنتي في الصيدلانية في الهند ثم أكملت في استراليا وحسن يدرس في جامعة الكويت أما امير وحسين فيدرسان في المدرسة الانكليزية لان اليوم لا بد من الدراسة والشهادة فهي السلاح للانسان.


التغير

نوع الزبون وأخلاقيات الناس تغيرت عن الأول من حيث التعامل والاسلوب وطريقة الشراء ولايعرفون اسم المحل ومكانته وهذا للاسف قد يتلفظ الزبون بالالفاظ الجارحة وغيرها خاصة الشباب ويذهبون، لم نكن نعرف هذا الاسلوب في الماضي كانت الناس تستحي.


الحقيقة

حقيقة ان محل بوفتين بمثابة متحف معروف منذ سنين بالجودة والرقي حتى الأجانب يأتوننا يلتقطون الصور عندنا مع بعض الشخصيات لان المحل معروف بالخليج منذ سنين بالحلوى.


السفر

أنا اخذت أولادي في سفرات سياحية خارج الكويت الصين والمانيا وباكستان وتركيانشوف بلاد الله.


التمر

ادخلت التمر في الحلوى عندنا واصبحت كليجة ولسان الثور حتى مرضى السكر لما انتشر قمنا بصناعة حلوى خالية من السكر أي بدل السكر.


المشاركة

زوجتي أم حسن تصنع حلوى في منزلنا خصوصا الحلويات المشهورة عندنا في ايران مثل العصيدة وعش بلبل والرهش.


 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي