وأخيرا أسدلت محكمة النقض المصرية الستار نهائيا على قضية «التوربيني» ومعه افراد عصابة اطفال الشوارع بعد ان ايدت المحكمة حكم محكمة الجنايات باعدام المتهم الذي اشتهر بفظاعة طريقة قتله للاطفال تحت لقب «التوربيني» اذ اصبح ينافس قصص «ريا وسكينة» من حيث تركيبته الاجرامية، ووجهه القبيح، ورائحته الكريهة، فلم تستطع الشرطة والأمن فك شفرة طريقة قتل الاطفال على مدار المحافظات الخمس، القاهرة الجيزة، الاسكندرية، البحيرة، الغربية، إلا بعد جهود بوليسية مكثفة قضت ليل نهار، كان معظم ضحاياه من الاطفال الابرياء الذين يتصفون بالبراءة والعفوية، صغارا لا يملكون القدرة للدفاع عن انفسهم، ولا يفهمون من الدنيا شيئا، لذلك اختار التوربيني وافراده اطفال الشوارع المساكين لأنهم ضعفاء فقتل 38 طفلا وطفلة، وألقى معظمهم من اعلى القطارات، وفي مياه الترع، والمصارف بعد اغتصابهم بطريقة وحشية ومن دون رحمة، وعلى الرغم من صراخ البعض واستعطافهم له بألا يقدم على قتلهم او رميهم من اعلى الأماكن، إلا ان التوربيني كان قلبه كالحجر، لايهمه سوى تلبية نزواته، فيتلذذ عند مشاهدتهم يسقطون اجسادا ممزقة، او اشلاء متناثرة على الارض من فوق الصهاريج او القطارات، بعدما عانوا مرارة العيش في الطرقات والشوارع، لا مأوى لهم ولا عمل سوى البحث عن الطعام والرزق من فضلات الزبالة، والنوم على ارصفة الشوارع وتحت الجسور، فانتهى بهم الطريق الى حضن هذا السفاح الذي لا يرحم، ليرمي الشباك عليهم ويستخدمهم عبيدا له، يعذبهم ويغتصبهم كيفما يشاء، وفي نهاية المطاف يختار قتلهم، ارتكب رمضان التوربيني اكثر جرائمه على سطح قطار مفضل لديه، اختاره لانه مخصص للطبقات الغنية وله مواصفات معينة، ويسير هذا القطار الفخم بين القاهرة والاسكندرية، ولا يستقله إلا الاغنياء والمترفون القادرون على اجرته، وبهذه المحطة استطاع المجرم ان يكمل مسلسل جرائمه بكل بساطة وامان.
ترى لماذا وصل رمضان التوربيني إلى هذا المستوى من الاجرام؟ من الاسباب الرئيسية التي جعلته يصل الى هذه المرحلة تجربته الطفولية البائسة، فعندما كان في الثانية عشرة من عمره، ترك منزله ليعمل في كافتيريات السكة الحديد في القاهرة، إلا انه وقع فريسة لبلطجي يدعى عبده التوربيني الذي يستولى على امواله ويقوم بهتك عرضه في كل مرة، وفي اخر مرة ألقاه من اعلى القطار حتى سقط مغشيا على قطعة من الحديد، ما تسبب باصابته اصابة بليغة وبعاهة مستديمة جعلت وجهه مشوها، ويعاني من عقدة نفسية وجنسية منذ صغر سنه حتى وصل عمره الـ26 عاما، وهو يعاني من عقدة نفسية تصل إلى حد الانتقام، فاختار لنفسه لقب «التوربيني» حتى يكرر مسلسل الحدث الذي واجهه مع اناس آخرين، وعندما قرر الانتقام فعليا من المجتمع، بدأه مع الاطفال الابرياء، وتزعم عصابة مكونة خصيصا لاغتصاب، وقتل اطفال الشوارع المشردين، تتكون عصابة التوربيني السفاحة من اسماء وألقاب شعبية فريدة، وبلغة الشوارع «كالحناطة، والجزار، وشعيشع، وبزازة، والسويسي، وبقو»، وجميعها اسماء مستعارة تصلح للاجرام والبلطجة! كان اول الخيط للكشف عن هذه العصابة التي يتزعمها «التوربيني» العثور على جثة طفل متحللة في محطة مترو انفاق شبرا الخيمة، شمال القاهرة، وكان ذلك في شهر نوفمبر عام 2006م وبعد ايام قليلة عثر على جثة طفل آخر على طريق السكة الحديد في مدينة الاسكندرية، وفي وقت قريب من الحدث الثاني، عثر على جثة طفل ثالث في محطة السكة الحديد في طنطا، ومع تسلسل هذه الاحداث تم بسرعة تشكيل فريق بحث وتحرٍ من قيادات البحث الجنائي الأمنية بناء على امر من وزير الداخلية المصري في محافظات القاهرة، والاسكندرية وطنطا، واستطاع رجال المباحث من وراء تحرياتهم الوصول الى حقيقة الجرائم المرتكبة، ومعرفة من كان وراء قتل هؤلاء البراعم الصغار حينما القي القبض على احد افراد العصابة وتم التضييق عليه، وشهرته «بقو» في منطقة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية، الذي اعترف بدوره على كل شيء وكشف اسرار العصابة واسماءها فاعترف بأنهم يستدرجون هؤلاء الاطفال من الشوارع بغرض السرقة، والتسول ثم يعتدون عليهم جنسيا، ويقتلونهم عن طريق إلقائهم من فوق الصهاريج او القطارات، اذ ان القطارات كانت تدوسهم من الاتجاه المعاكس كالبرق فتتطاير جثثهم اشلاء وتتقطع رؤوسهم، ومنهم من اختفت معالمه، بعد القاء القبض على المتهم الثاني الملقب بـ«السويسي» من قبل رجال المباحث في طنطا، اعتقد السفاح رمضان التوربيني انه سيفلت من رجال الامن وعدالة القضاء، وان لا احد يستطيع ان يقبض عليه بعد مرور سبعة اعوام من الاجرام، فلم يشهد تاريخ مصر مجرما بهذه الوحشية، ولكن بعد يومين فقط من سقوط «السويسي» على يدي المباحث، نجحت مباحث الاسكندرية في إلقاء القبض على اكبر واخطر زعيم لعصابة الاطفال، رمضان التوربيني، في وقت زمني قصير، اعترف من خلاله انه كان يقوم بجرائمه بدءا بتكتيف هؤلاء الضحايا الاطفال وهم في ملابسهم الداخلية فوق القطار المفضل الذي اعتاد ركوبه، فكان يعشق التسطيح عليه كالابطال، ويستقله مع الضحايا من القاهرة حتى الاسكندرية مع سائر افراد العصابة، وعلى طول الطريق يقوم بالاعتداء الجنسي والتعذيب على الضحايا وليستكمل عقدته النفسية في الانتقام، يقوم بإلقاء الضحايا فوق شريط السكة الحديد كالمجنون، لقد اعترف التوربيني بأن اغتصاب الاطفال وقتلهم يشكل متعة له، وان الروائح الكريهة المنبعثة من جسمه سببها عدم استحمامه منذ عدة اعوام! وبالتالي ماذا سيكون الحال لو لم يتمكن رجال المباحث المصرية من القاء القبض على السفاح رمضان التوربيني، فكم كان سيصل عدد الضحايا من الاطفال الابرياء؟
سبق للنيابة المصرية ان وجهت إلى المتهمين ويتقدمهم التوربيني تهما عدة منها: القتل عمدا والخطف، وهتك العرض، والسرقة بالاكراه، وركوب اماكن غير معدة لسفر ركاب القطارات، اضافة إلى دخول منشآت السكة الحديد من دون تصريح، وحيازة سلاح ابيض، وفي جلسة 20 يونيو الماضي قضت المحكمة «مشكورة» باعدام الزعيم السفاح التوربيني، عقابا لما اقترفت يداه، وطبقا للقانون المصري الذي لا ينفذ فيه حكم الاعدام إلا بعد عرض القضية على محكمة النقض، باعتبارها اعلى درجات التقاضي في مصر، وبدورها ايدت الحكم الصادر من محكمة الجنايات، فانتهت مرحلة اقبح سفاح في تاريخ مصر عند اغلاق ملفه وصدور حكم الاعدام عليه، ولكل حادث حديث.
علي محمد الفيروز
كاتب وناشط سياسي كويتي
[email protected]