... ومن ينقذ المواطن؟

تصغير
تكبير
حقيقة، لم نعد نجد في قاموس التوصيف مفردات نستطيع من خلالها تفسير السلوك الحكومي في ما يتعلق بالاقتراحات المطلوبة لحل الازمة الاقتصادية المالية. لم نعد نعرف كيف يؤخذ القرار وفي اي اتجاه وعلى اي اسس ووفق اي اولوية. لكننا، وبعيدا من نيات التفسير السلبية، نرى مؤشرات خطيرة في الطريقة التي تتحول فيها اقتراحات فريق المحافظ من آليات فنية تقنية لحل الازمة الى آليات سياسية للاستفادة من الازمة، ونرى مؤشرات اخطر في التجاهل التام للمواطن المحتاج الذي يلمس اصرارا حكوميا على وضعه في دائرة الظلم... والظلم ظلمات يوم القيامة.
في قراءة اولية سريعة لمشروع حل الازمة الاقتصادية المالية، نجد اننا امام مشروعين: الاول الذي لم يدخل الى «المغارة الحكومية» وفيه آليات تقنية فنية بحتة للتعامل مع الشركات المتعثرة من خلال تصنيفها وتحديد اطر التدخل وفق هذا التصنيف، او من خلال وضع معايير لشراء الاصول. والثاني الذي دخل الى «المغارة» فتدخل فيه من تدخل وحول طابعه التقني الفني الى طابع سياسي من خلال الغاء التصنيف واطلاق يد الفريق في الحل او من خلال الغاء معايير شراء الاصول وترك الامر للبنك المركزي وهيئة الاستثمار. هنا تغيرت الامور ولم تعد الاستنسابية فعلا بريئا على الاطلاق بل صارت جزءا من خطة سياسية تعتقد الحكومة انها تستطيع عبرها تقوية اوراقها فتساير من ترى انه لم يعد «يشاغب» وتضغط على من تعتقد انه «لا يساير»، خصوصا اذا كانت نسبة لا بأس بها من التيارات السياسية تقف بطريقة او بأخرى خلف بعض الشركات المتعثرة.
ضياع تصنيف وضع الشركات والغاء معايير شراء الاصول يعنيان ان الضربة الاولى لمشروع المحافظ «اتت من داخل البيت»، فالرجل بدا واضحا من اجاباته في المؤتمر الصحافي انه كان يفضل ابقاء بنود الحل في اطارها الفني التقني وهو صاحب مصلحة اساسية في ذلك، وعلى الرغم من ديبلوماسيته الكبيرة واحساسه بالمسؤولية أوحى بأن التعديلات كانت تقتضي وضع المزيد من المعايير والتصنيفات، الا انه اراد بحديثه عن «افضل الممكن» اقفال باب الجدل والبدء بالعمل حرصا على وقف النزيف الذي قد يجرف معه ما هو اكبر من بضع شركات.

ولكن كيف يقفل باب الجدل والمواطن العادي الذي اضطر الى الاقتراض كي يكمل مثلا تعليم اولاده في جامعات خاصة بعدما فشلوا في الحصول على علامات تؤهلهم لدخول جامعة الكويت، او اضطر الى الاقتراض كي يرسل والديه الى العلاج في الخارج كونه لا يملك واسطة نائب صوته عال، او اضطر الى الاقتراض ليبني لولده منزلا يعينه على الزواج والعمل بعدما بقيت معاملته سنوات في ادراج النسيان (عفوا الاسكان)، او اضطر الى الاقتراض لإكمال مشروع تجاري صغير مثل فتح دكان او جلب بضاعة...
تعددت الاسباب والاقراض واحد... وتعددت المناشدات والاهمال واحد.
الحكومة ليست حرة في تسييس مشروع فريق الانقاذ. اما وانها فعلت ووصلنا الى «افضل الممكن» فنقول انها تستطيع الان ادخال خطة الانقاذ في دائرة «الاخذ والعطاء» التي رسمها وزراء بعينهم، فتعين من تعين وتترك من تترك، مع الاخذ في الاعتبار العين الساهرة للمحافظ ومسطرته الجاهزة للتدخل والاعتراض عند اللزوم... ولكن لا يجوز لا في الدين ولا في الشرع ولا في الاخلاق ولا في الوطنية ولا في الانسانية اهمال قروض المواطنين العاديين الى درجة اننا لم نسمع تصريحا حكوميا جديا يتحدث عن معاناة هؤلاء وعن ضرورة عقد اجتماعات متلاحقة للبحث في كيفية ايجاد حلول لها.
لا نقول ان كل من اقترض اقترض لحاجة ضرورية لكن الغالبية فعلت ذلك، كما ان بعض الشركات المتعثرة لم يتعثر فقط نتيجة للأزمة العالمية وانما لسوء الادارة وسوء التخطيط وسوء التصرف. ولذلك كان التصنيف ضروريا جدا للجميع وكانت المعايير اكثر من ضرورية، فهل يجوز مثلا ان تنكب الجهود كلها على مساعدة شخص تعامل على مدى سنوات بقروض بعشرات الملايين فربح وخسر وتوسع وانكمش ثم نتجاهل شخصا ارهقه قرض بعشرات الآلاف لانه اراد تعليم بناته في الجامعة وهو يواجه الآن مصير السجن ان لم يسدد ما عليه؟ وهل تدرك الحكومة ان قروض المواطنين المستحقين فعلا للمساعدة قد لا تتجاوز المبالغ المطلوبة لمساعدة شركتين استثماريتين كبيرتين متعثرتين؟
تجاهل المواطنين المتعسرين عيب وحرام وخطيئة. هؤلاء كرام اولاد كرام، يجرحون الف مرة في اليوم عندما يرون قضيتهم جزءا من ملف المزايدات بين المجلس والحكومة. كرام يجرحون الف مرة وهم يرون ان «الكبار» يهتمون بقضايا تتعلق بمئات الملايين ويتجاهلون قضاياهم. كرام يجرحون الف مرة في اليوم وهم يواجهون مصيرا بين تأمين حياة لائقة لاسرهم وبين الاقتراض من اجل ذلك او التوقيف اذا فشلوا في السداد.
هؤلاء كويتيون، والظلم في السوية عدل في الرعية ونحن لا نريد ان نرى بيننا الظالم والمظلوم ولا نريد لاحد ان يطوق عنقه الا بنتائج الخير وكل ما نتمناه ان يتوقف مسلسل تجاهل المواطنين المتعسرين وان تبدأ لجنة حكومية عملها فورا لرفع الغبن والضيم والظلم عنهم.
اللهم خذ بيدنا جميعا الى مساحات العدل واهد من يحتاج الى الهداية كي تنأى قضية المواطنين الشرفاء الكرماء عن الاغراض السياسية، فسمعة هؤلاء واعراضهم ومشاعرهم ومصيرهم امانة في رقاب الجميع... انك السميع المجيب.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي