من كَسِبَ... برشلونة أم ميسي؟
عاد النجم الأرجنتيني أمس إلى التمارين... وشارك للمرة الأولى فيها تحت إشراف المدرب الجديد الهولندي رونالد كومان
... وفي النهاية، اتخذ الأرجنتيني ليونيل ميسي القرار بالاستمرار مع فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم.
لكن يبقى سؤال أهم: من الفائز الأكبر؟ النادي أم اللاعب؟
وَجَبَ، في البداية، التذكير بأن ميسي مدينٌ لبرشلونة بالكثير، فقد جاء به إلى كاتالونيا في العام 2000 وسهر على علاجه من مرض نقص هرمونات النمو، قبل أن يمنحه فرصة الظهور على الساحة العالمية في نادٍ عملاق، غنيّ، وقادر على المنافسة محلياً وقارياً.
فضلُ «ليو» على ناديه ظهر، بعد سنوات، من خلال الألقاب التي قاده إلى تحقيقها، وهي نتاج «تربية برشلونة له».
المؤيّدون لميسي يختبئون خلف موهبته التي تفجّرت في برشلونة الذي يرى مؤيّدوه بأن الأرضية التي أمّنها النادي، من خلال أكاديمية «لا ماسيا» وما تبعها، كان سبباً مباشراً لما وصل إليه «البرغوث».
لنسبر، في البداية، أغوار المشكلة الأخيرة بين الجانبين: في العام 2017، أبرم برشلونة عقداً جديداً مع ميسي لأربعة مواسم حتى نهاية 2020-2021، يُجدَّد تلقائياً بنهاية كل موسم، إلا إذا طلب اللاعب الرحيل. فإذا فعل، يرحل عن النادي بعقد انتقال حر، بمعنى أن برشلونة لا يحصل على أي مقابل.
وبخلاف ذلك، إذا رغب ميسي في الرحيل عن «كامب نو»، خارج الإطار الزمني لهذا الاتفاق، فيتوجّب عليه أو على النادي الذي ينوي الحصول على خدماته، سداد قيمة بند جزائي بالغة تقدر بـ 700 مليون يورو.
ميسي طالب، في نهاية أغسطس الماضي، بتفعيل بند فسخ العقد الرابط بينه وبين برشلونة، والذي يسمح له بالرحيل مجاناً بمجرد نهاية الموسم 2019-2020.
في المقابل، أكد برشلونة أن البند انتهى مفعوله، منذ 10 يونيو الماضي (التاريخ الذي كان يتوجب على ميسي أن يرسل قبله طلب رغبته في الرحيل)، وبالتالي بات لزاماً سداد الـ700 مليون.
وأمام موقف النادي، اعتبر اللاعب أن بند الفسخ لا يزال ساري المفعول بسبب الموسم الاستثنائي الذي توقف لأكثر من ثلاثة أشهر بفعل تفشي فيروس «كورونا»، ولم ينتهِ سوى في الأسبوع قبل الأخير من أغسطس.
وفجأة خرج ميسي، مرتدياً ثياباً رياضية «بحرية» و«شبشب»، ليعلن بقاءه لأنه «لا أستطيع الذهاب إلى المحكمة ضد نادي حياتي»، غير أنه شنّ هجوماً لاذعاً على رئيسه جوسيب ماريا بارتوميو، متّهماً إيّاه بعدم الحفاظ على كلمته بشأن السماح له بالرحيل مجاناً، في نهاية الموسم الماضي.
أربع «جرائم» اقتُرفت هنا:
1- شكلُ ميسي، في هذه الملابس، وهو يعلن قراراً ترقّبه عشاق النادي، على أحرّ من الجمر، لم يكن موفقاً، وفيه قلة تقدير لشخصه ولبرشلونة. من يُسأل هنا هو الفريق العامل مع اللاعب، والذي كان يتوجب عليه إخراج ظهوره بصورة أرقى.
2- أن تُقرر البقاء في النادي، وتحرص على مهاجمة الرئيس وكشف ما دار بينكما بهذه الطريقة «الهشة»، فهذا لن يريح أحداً، خصوصاً الجماهير العالمة بأن «الاستقرار» الإداري والفني ضرورة حتمية لتحقيق الألقاب التي غابت عن برشلونة تماماً، في الموسم المنصرم، للمرة الأولى منذ 2008.
3- ألا تستحق الجماهير الوفية لهذا الكيان العريق أن يتم الإعلان عن بقاء «أسطورة النادي» بموجب بيان رسمي مشترك صادر عن الجهتين، مع صورة تجمع ميسي ببارتوميو، وإنْ بروتوكوليّة؟
4- وَقعَ والد ميسي الذي يعمل وكيلاً لأعماله والفريق القانوني، في خطأ جسيم. كان يجدر بهم دراسة «الأرض» بشكل أكثر عمقاً قبل توجيه رسالة باسم ميسي إلى إدارة ناديه يعبّر فيها عن رغبته بالرحيل. بدا واضحاً أن الموقف القانوني لبرشلونة أقوى لجهة حقه في الـ700 مليون، وبأن الوصول إلى القضاء سيمنحه الأفضلية على حساب «ليو». ولا شك في أن تصريح ميسي بأنه لا يريد الوصول إلى المحاكم مع ناديه، هو إعلان صريح عن خسارة القضية «معنوياً».
لقد فرض «ليو»، اليوم، واقعاً جديداً في النادي الكاتالوني يقوم على أنّه «إمّا أنت معي وإمّا فمع الرئيس»، في وقت يجدر به فيه، كقائد، تهدئة الأجواء بعد «العاصفة» التي خلّفها السقوط المذلّ أمام بايرن ميونيخ الألماني 2-8 في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، والأنباء عن رحيله.
اليوم، يُطرح سؤال منطقي عن مصير برشلونة قبل دخول معمعة استحقاقات الموسم الجديد الذي يترافق مع وصول مدرب جديد، الهولندي رونالد كومان، البعيد كل البعد عن أجواء الخلاف، والمرشح ليصطدم، لا محالة، بواقع «غير صحي» أكده لقاؤه «الناشف» مع ميسي ورَشَحَ منه أنه شهد التشديد على تحجيم سطوة اللاعب على غرفة تبديل الملابس، وبالتالي تخلّيه عن امتيازات كان يتمتع بها وجرى الحديث عنها لسنوات، وبينها تدخله المباشر في ترشيح لاعبين ومدربين للقدوم إلى «كامب نو».
بنظرة شاملة، رحيل ميسي كان سيدرّ على برشلونة 700 مليون يورو أو ربما أقل من ذلك بقليل في حال إجراء تسوية ما، من شأنها إنعاش خزينة النادي في سعيه إلى تجديد الفريق، وسداد الديون، ومواجهة التبعات الاقتصادية والتسويقية الناجمة عن رحيل «البرغوث».
أما بقاء ميسي، فقد أعاد بعض الهدوء المفقود إلى أروقة النادي وصفوف الجماهير، وضمن استمرار جاذبية برشلونة اقتصادياً والتي يحتاجها، راهناً، في ظل الخسائر المتأتية من تفشي فيروس «كورونا».
وفوق ذلك، سيراهن برشلونة على عامل الوقت بدل الضائع كي يقنع ميسي (33 عاماً) بالاستمرار معه إلى ما بعد الموسم المقبل، وإنهاء مسيرته ضمن صفوفه، خصوصاً أن النادي يعي بأن رحيل «ليو» في نهاية الموسم 2020-2021 سيكون مجانياً، وبالتالي لن يدرّ عليه أي فلس.
وبالنسبة إلى ميسي، فهو سيستمر مع النادي الذي يحصل منه سنوياً على حوالي 100 مليون يورو، غير أن الأنظار تتجه إلى «مزاجه» في مقاربة تحديات الموسم على أرض الملعب ومدى قدرته على تحقيق الأهداف الرياضية التي يسعى خلفها لفرض نفسه مجدداً أحد أبرز اللاعبين في العالم، وخصوصاً على جبهة دوري أبطال أوروبا.
من هو الفائز الأكبر؟ النادي أم اللاعب؟ برشلونة أراد أن يبقى ميسي، فبقي وعاد، أمس، إلى التمارين رسمياً.ميسي أراد أن يرحل، فلم يتمكن. وبالتالي فاز برشلونة. لكن على مَن فاز؟ على لاعبه؟ ميسي جزء منه، من تاريخه. هذا يعني أن برشلونة فاز على نفسه.يبدو أن الجميع خسر... والجميع ربح، ومن الأفضل طيّ صفحة الموسم 2020-2021، كنتائج رياضية وارتدادات «رحيل الأسطورة»، والتطلع إلى المستقبل.