عيْنه على حِراك الخارج وحركة البوارج... والراعي يطلق وثيقة «الحياد الناشط»
لبنان «يرقص فوق البراكين»
اجتياح «كورونا» يفرض «دق النفير العام»
مذكرة توقيف وجاهية بحق مدير الجمارك
مع دخول كارثة «بيروتشيما» اليوم أسبوعَها الثالث، تستمرّ الارتداداتُ الأمنيةُ والقضائيةُ والاقتصاديةُ والسياسيةُ والانسانيةُ لهذا التفجير الذي حوّل لبنان مَسْرحاً دولياً لعملياتِ إغاثةٍ بدتْ بمثابة «إغارةٍ» متعددة الجنسية عبر حركة بوارج تحمل ألف مساعدة و... رسالة.
وفيما بدا لبنان، الذي لم يَسْبق أن ظَهَرَ هذا التسليم النافر لقرارِه في ما خصّ مسار تأليف الحكومة الجديدة للخارج وموازين القوى الإقليمية - الدولية، كـ«عضو مُراقب» في الجبهات المتقابِلة من حوله وفي مياهه كما على أرضه التي تعجّ بفرق الإنقاذ والمحققين الفرنسيين والأميركيين، بقيتْ الأنظار شاخصةً على مآل الدينامية «العالمية» في ما خص الواقع اللبناني الذي يُخشى أن يكون انفجار مرفأ بيروت بمثابة أول غيثِ مرحلةٍ من الرقص فوق البراكين التي تضجّ بها المنطقة والتي أضيف إلى «سلسلتها» صراع الغاز شرق المتوسط.
وأوحى تَلَمُّس أول آثار الحدود التي رَسَمَتْها واشنطن وطهران للمخارج التي يراها كلّ منهما لأزمات لبنان المتشابكة، المالية والسياسية، بأن البلاد مقبلة على شدّ حبال قاسٍ في ما خص مسار تأليف الحكومة الجديدة، وسط استشعار الخارج بأن السقوط الكبير للبنان - المؤسسات في حفرة المرفأ (أياً يكن الصاعق الذي فجّر العنبر رقم 12 ونيترات الأمونيوم أو ما قد يكون مخزّناً معه) بات يستوجب الحلّ الجذري إصلاحياً وسياسياً، وهو ما صار يتشابك بحُكْم الأمر الواقع مع الصراع الأميركي - الايراني وموجبات تقليم أظافر طهران وقطْع أذرعها في المنطقة وفق ما تريده الولايات المتحدة.
ولم يكن عابراً أمس، دخول جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، على خط الملف اللبناني معتبراً في حديث مع شبكة «سي ان بي سي» أنّ اللبنانيين بحاجة إلى «قيادة»، واصفاً انفجار المرفأ بـ«المؤسف جداً».
وأوضح رداً على سؤال حول ما إذا كان الدور الأميركي في لبنان سيتجاوز تقديم المساعدات الإنسانية: «ستكون الولايات المتحدة شريكاً للسلام بشكل مؤكد، إذا استطاعوا (السياسيون اللبنانيون) أن يكشفوا لنا عن تركيبة عقلانية تشرح كيف أنّهم لن يعمدوا إلى ترقيع الوضع لينتهي بهم الأمر في المطاف نفسه، وواشنطن تعمل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هذا المستوى، وتنسق معه طوال الوقت».
وأشار كوشنير تعليقاً على دور طهران إلى «أنّ لبنان يمثّل خير مثال على النتيجة التي تريد إيران أن تصل المنطقة إليها»، وموضحاً «أنّ ترامب مستعدّ للعب دور في لبنان و لكنه سيقوم بخطوات عقلانية من شأنها حلّ المشكلة ولن يسمح بزعزعة الاستقرار وهو ما تعمل عليه طهران».
وعلى وقع انفلاشِ الهجمةِ الدولية باتجاه لبنان، يقتحم المشهدُ السياسي الداخلي والخارجي ابتداءً من اليوم، الحُكم الذي تُصْدِره المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحق المتهمين الأربعة من«حزب الله»، وسط اقتناعٍ بأنه رغم حرص الرئيس سعد الحريري، على عدم السماح بتحويل هذه المحطة باباً للمس بالاستقرار والسلم الأهلي في ظل معلومات عن اتصالات عدة جرت لاحتواء أي ارتدادات محتملة على الأرض، فإن هذا الحُكْمَ سيفرض نفسه معطى لن يكون ممكناً القفز فوقه محلياً ولا خارجياً وسط صعوبةِ تَصَوُّر أن يبقى وقعُه بمنأى عن الكباش الاقليمي - الدولي.
وعلى وهج بدء العد العكسي لعودة لبنان إلى الإقفال لأسبوعين لفرملة الكارثة المتدحْرجة مع الأرقام الكاسحة لإصابات «كورونا» التي ناهزت أمس 500 في يوم واحد وسط دق وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن النفير العام وإعلان الطوارئ الصحية في أكثر من منطقة، لم تستبعد بعض الأوساط السياسية أن يساهم الحجْر العام المرتقب في المساعدة على إطفاء أي تداعياتٍ للحكم في جريمة الحريري الذي يتقاطع مع الغضب الشعبي الكبير بإزاء نكبة المرفأ.
وفي موازاة مواصلة بيروت لملمة أشلائها وتشييع ضحايا التفجير الهيروشيمي وسط موقف لافت للمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، الذي قال تعليقاً على مشهد الوداع الأخير لثلاثة من «فرسان فوج إطفاء بيروت»، أمس «تحزننا رؤية جنازات ضحايا الانفجار القاتل تتالى، العدالة والمساءلة أمران لا بد منهما، وتجب معاقبة جميع المسؤولين عن هذه الجريمة»، برز إصدار المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي فادي صوان، مذكرة توقيف وجاهية بحق مدير الجمارك بدري ضاهر.
ومن خلْف ظهْر كل العناوين الصاخبة، خرق المشهد السياسي تطور يُنتظر أن تكون له تتمات داخلياً وخارجياً وتمثّل في إعلان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي أمس «مذكّرة لبنان والحياد الناشط»، موضحاً «أن هناك 3 أبعاد مترابطة ببعضها متكاملة: المكوّن الأول عدم دخول لبنان قطعياً في تحالفات وصراعات سياسية وحروب إقليمياً ودولياً وامتناع أي دولة عن التدخل في شؤونه أو الهيمنة عليه أو احتلاله، والثاني تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الانسان وحرية الشعوب وبخاصة الشؤون العربية التي يوجد حولها إجماع دولي وفي الأمم المتحدة وبهذه الطريقة يواصل لبنان الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني والفلسطينيين في لبنان، والثالث تعزيز الدولة اللبنانية لتكون دولة قوية بجيشها ومؤسساتها وعدالتها ووحدتها الداخلية كي تضمن أمنها الداخلي من جهة وتدافع عن نفسها تجاه اي اعتداء يأتي سواء من اسرائيل أو غيرها».
وأضاف: «يستفيد لبنان من نظام الحياد في أمرين أساسيَّين: الحياد ينقذ وحدة لبنان أرضاً وشعباً ويحيي الشَّراكةَ الوطنية المسيحيَّة - الإسلاميَّة المتصدِّعَة في كثيرٍ من الأمكنة. ومع حياد لبنان تستعيد طوائفه الثَّماني عشرة أمنها واستقرارها، وتثق ببعضها البعض بعيداً عن الصِّراعات، وتساهم في استقرار المنطقة والسَّلام في العالم. كما أن الحياد يجعل مشاركة جميع المكوِّنات اللُّبنانيَّة أكثر ليونة وإيجابيَّة، إذ يُعطِل الانحياز والجنوح في ممارسة الصَّلاحيَّات والسُّلطة أيًّا تكن هويَّة المسؤول السِّياسيَّة والطَّائفيَّة».
وإذ ذكّر بأن «حزب الله» نشأ «حاملاً مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأوجهه الديني والعسكري والثقافي»، اعتبر أن «إعلان حياد لبنان هو فعل تأسيسي مثل إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 وإعلان استقلال لبنان سنة 1943».
وتوقفت أوساط سياسية عند ما بدا أنه محاولة لإحداث «توازن سلبي» عبّر عنها تكرار الرئيس نبيه بري بعيد مواقف الراعي ان «لا حلّ ولا خلاص للبنان إلا بأن يملك الجميع جرأة الذهاب نحو الدولة المدنية، فخلاص لبنان لا يكون إلا بالإقدام على هذه العملية الجراحية الدستورية».
وفاة عامر الفاخوري
أفاد موقع صحيفة «النهار»، بأن عامر الفاخوري، الذي كان أُطلق قبل فترة من السجون اللبنانية وأعيد إلى أميركا بعد صدور حُكْم من المحكمة العسكرية في بيروت بكف التعقبات عنه، توفي أمس في مكان إقامته في الولايات المتحدة.
وكان الرئيس دونالد ترامب أعلن في مارس الماضي أن بلاده استعادت المواطن عامر فاخوري، الذي كان مسجونا في لبنان بتهمة التعامل مع اسرائيل إبان احتلالها لجنوب لبنان.
وقال إن فاخوري الذي يعاني من السرطان، في طريقه إلى الولايات المتحدة حيث سيتمكن من تلقي العلاج اللازم.
وذكرت حينها وسائل إعلام لبنانية ان مروحية أميركية نقلت الفاخوري.
وسبق ذلك إصدار المحكمة العسكرية حكماً أسقطت بموجبه التهم الموجهة إلى الفاخوري بالتقادم، وكفت التعقبات عنه بجرائم تعذيب سجناء في معتقل الخيام، وتسببه بوفاة اثنين منهم.