الحريري سـ «يبْني» على الحُكم باغتيال والده... «سيكون لنا كلام آخَر»
لبنان... فوق صفيحٍ لاهب من الجنوب إلى لاهاي
... وكأنه «الجحيم» يلوح من جبهات عدة! هكذا يبدو الواقع في لبنان حيث تتقاطع هذه الأيام ذروةُ حرّ لم يتعوّدها (لامست الحرارة 44 درجة أمس في البقاع) مع ذروةِ الموجة الأولى من فيروس كورونا المستجد التي فرضتْ العودةَ بالبلاد إلى مرحلةِ الإقفال التام ابتداءً من يوم غد، فيما لم يكن ينقص ذروةَ الأزمة المالية - الاقتصادية سوى دخول الجبهة الجنوبية مع إسرائيل ذروةَ التوتر مع التطورات الغامضة التي شهدتْها الاثنين والتي بدت بمثابة «حَدَث تذكيري» للجميع في الداخل والخارج بـ«الخاصِرة الرخوة» الحدودية ومَخاطر انكشافها على المُكاسَرة بين واشنطن وطهران في المنطقة وعلى استراتيجية «وحدة الساحات» بين حلقات المحور الإيراني الذي أُلحِق به لبنان.
وفيما كانت الهبّة الساخنة جنوباً تخضع لمعاينةٍ لصيقة لحقيقة ما جرى كما لـ«تتماته»، وسط قراءتيْن راوحتا بين اعتبار أن «وهجَ» حتمية ردّ «حزب الله» على مقتل أحد عناصره بغارة اسرائيلية في سورية، فعل فعله في جعل تل أبيب تغرق في إرباكِ خوض «قتال افتراضي» وبين الحديث عن عمليةٍ بدأ الحزب بتنفيذها في مزارع شبعا المحتلة وانكشف أمرُها قبل اكتمالها، لم تتأخّر عناوين الأزمات المتشابكة والتي تدور في فلك الانهيار المالي وتشظياته في كل الاتجاهات بأن تستعيد مكانتَها وتتقاسم المشهد الدخلي جنباً إلى جنب مع «الوعكة الملتبسة» التي ضربتْ الحدود اللبنانية - الإسرائيلية والتي يُخشى أن تتداخل ارتداداتُها مع محاولات بيروت مدّ جسورٍ مع الخارج للإفلات من «الهَلاك» المالي.
وفي حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن أن جيشه «مستعد جيداً لكل سيناريو» يمكن أن يحدث على الحدود، وسط تأكيد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لقناة «العربية»، ان «أنشطة حزب الله الإرهابية تهدد أمن لبنان وندعم بقوة حق إسرائيل بالدفاع عن النفس»، اختارتْ السلطةُ اللبنانية، أن تقدّم شكوى ضد إسرائيل على خلفية الاعتداء الذي وقع في الجنوب، بعدما كان الرئيس ميشال عون دانه خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع قبل أن يضعه رئيس الحكومة حسان دياب في إطار «محاولة العدو تعديل مهمات اليونيفيل في الجنوب، وتعديل قواعد الاشتباك مع لبنان».
وإذ ترَكَ هذا المناخ المتوتر جنوباً وتَمَسُّك «حزب الله» بخيار الوفاء بـ«وعد الردّ» على مصرع أي من مقاتليه في لبنان أو سورية «في الزمان والمكان المناسبيْن» علامات استفهام كبرى حول تأثيراته على المساعي المضنية لتوفير أرضيةٍ سياسية مع المجتمع الدولي لإحداث خرق في «جدار» الشروط المحدّدة لمدّ البلاد بـ«اوكسيجين الإنقاذ» وذلك على مساريْ الإصلاحات والنأي بلبنان عن صراعات المنطقة والحدّ من تأثير «حزب الله» في السلطة وتموْضعها الاستراتيجي، لم يبدُ دياب متيقّناً للنتائج التي ستترتب على تَعَمُّده الردّ على التأنيب المباشر الذي سمعه من وزير الخارجية الفرنسي جان ايف - لودريان قبل أيام حول تلكؤ حكومته عن السير برزمة الإصلاحات «المزمنة» من خلال ما يشبه «التقريع المضاد» ولكن بمفعول رجعي، وذلك فيما كان خفْض وكالة «موديز» تصنيفها الائتماني الائتماني للبنان إلى C يفاقم إضعاف موقفه في المفاوضات الشاقة مع صندوق النقد الدولي.
ولم يكن الانتقاد الذي وجهه دياب الى لودريان خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، اذ اعتبر أن «زيارته لم تحمل أي جديد ولديه نقص بالمعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية، وربْطه أي مساعدة للبنان بتحقيق إصلاحات وضرورة المرور عبر صندوق النقد يؤكد أن القرار الدولي هو عدم مساعدة لبنان حتى الآن»، هو الموقف الوحيد الذي اثار الاستغراب إذ سبقه كلامٌ أطلّ عبره على الحُكم الذي يُنتظر أن يصدر في السابع من أغسطس عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (مقرها لاهاي) بحق أربعة من «حزب الله» يُحاكمون غيابياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحذّر فيه ضمناً من أن يجرّ هذا الاستحقاق الى فتنة.
وقال دياب خلال اجتماع «الأعلى للدفاع»: «هناك استحقاق يجب أن نكون جاهزين للتعامل مع ارتداداته، وهو صدور الحكم بقضية اغتيال الرئيس الحريري في 7 أغسطس. إن المعطيات لدينا تشير إلى تعاطي مسؤول من المعنيين مباشرة بهذه القضية وهذا أمر يعطي قوة دفع لمواجهة التداعيات ومحاولات الاصطياد بالماء العكر من قبل البعض. فمواجهة الفتنة أولوية الأولويات، ويجب ألا يكون هناك أي تساهل في مواجهة مشاريع الفتنة».
ولم يتأخّر تَلَقُّف كتلة «المستقبل» التي عقدت اجتماعاً برئاسة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لمواقف دياب، إذ حمل البيان الذي أصدرته أول إطلالةٍ على الحُكم المنتظر في جريمة 14 فبراير 2005 من الحريري الابن الذي أعلن «لا أريد استباق الحكم. فالمسؤولية الوطنية والاخلاقية تفرض انتظارَ الحكم والبناء عليه»، مؤكداً «اننا نتطلّع للسابع من اغسطس ليكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان، ويوماً للاقتصاص من المجرمين».
وتوجه «الى جمهور التيار والمحازبين خصوصاً، بوجوب الاعتصام بالصبر والهدوء والتصرف المسؤول، وتجنُّب الخوض بالأحكام والمبارزات الكلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل صدور الحكم المعلَّل عن المحكمة الدولية وبعده». وقال: «من الآن حتى السابع من اغسطس، سأكون بينكم دائماً وسيكون لنا بإذن الله كلام آخَر».
ولاحظتْ أوساطٌ مطلعة في بيروت أن صدور الحُكْم الذي ستكون له من دون شك تداعياتٌ سياسية داخلية ودولية، سيتزامن مع فترة الإقفال التام الذي عادَ إليه لبنان لزوم احتواء الانفلاش القياسي والبالغ الخطورة لوباء «كورونا» والذي بدأ جزئياً أمس ويتحوّل كاملاً ابتداءً من الغد وحتى 3 اغسطس يليه «وقتٌ مستقطع» ليومين يستعيد معهما البلد دورة حياته مع ضوابط مشددة ليُستأنف وضْعُ «الأقفال» على مختلف وجوه الحياة من 6 حتى 10 أغسطس.
وإذ استُكمل أمس رسْم الإطار التنفيذي للمسار الذي يُراد منه لجْم «كورونا» وشراسته، استوقف الأوساط التصعيد التصاعدي في مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من الائتلاف الحاكم، إذ برزت أمس تغريدتان له صوّبتا ضمناً على إيران و«حزب الله» ورئيس الحكومة، الأولى قال فيها: «الذي يسمع أخبار العراق من انقطاع للكهرباء الى شبه نَفاد المياه في دجلة والفرات الى تبخّر عائدات النفط التي تُنفق على معاشات وهمية تخص فلول الحشود الشعبية الى غزو البضائع الايرانية يرى بعضاً من الشبه والحالة اللبنانية. لا يُحسد الكاظمي على وضعه ولا يُحسد الشعب اللبناني على حكومة الديب».
وكتب في الثانية: «بعدما أفشلت الحكومة ومَن يرعاها مهمة وزير الخارجية الفرنسي، أتى تصنيف جديد من وكالة موديز يجعلنا بموازاة فنزويلا. إنه الحلم يتحقق أخيراً بعد طول انتظار فتكتمل منظومة التصدّي من الشرق الى الغرب».