في «فرسان المناخ» رائعة المبدع عبدالحسين عبدالرضا رحمه الله الذي رحل عنا بجسده ولكن بقيت لنا أعماله وإبداعاته، عرض الراحل وفريق العمل في هذه المسرحية الكثير مما شهدته مناحي الحياة من تغيرات وطفرات خلال فترة «عز» سوق المناخ الذي شهدت البلاد معه نمواً هائلاً لبعض الثروات، وثروات مفاجئة لبعض من لم يكونوا أثرياء مع كل ما رافق تلك الحقبة من مظاهر باذخة وألماسات براقة واستهتار بالمال... حتى سقط البعير في مناخه... وسقط معه المئات من «المليونيرية»!
في مشهد من مشاهد تلك المسرحية الجميلة، هناك مشهد لـ«زهير» أداه الفنان داود حسين كتاجر مجوهرات وافد يحسن «التحيلق» والنفاق ويوسط الرائعة «استقلال أحمد» لدى زوجها، فيعرض «زهير» آماله على «منصور بوحظين» وطموحه في أن يتحول إلى مليونير... بعدما كان جلّ طموحه سابقاً استخراج «كرت زيارة» أو «دق إقامة» لأحد أقاربه.
«زهير» مخه ضرب، وصرخ فرحاً وذهولاً بعدما وعده «بوحظين» بأن يتسلم العام المقبل مبلغ استثماره البالغ 649 ألف دينار بشيك مصدق قيمته مليونا دينار كويتي... فقال صارخاً... «يلعن يومه زهير... مليونير».
اليوم... وبعد مضي 37 عاماً على هذا العمل نتساءل: هل لدينا تغييرات كثيرة في الكويت؟... الحقيقة أن هناك من الوافدين من لازال طموحهم «كرت زيارة ودق إقامة»، ولكن ظهرت لدينا طبقة من الوافدين الجدد صاروا هم «بوحظين» الذي يفسد المواطنين والموظفين الحكوميين الكويتيين ويعدهم بالتحول إلى خانة «مليونير»... ويكون «زهير عصره»!
ونحن إذ يسعدنا كثيراً ويثلج صدورنا أن نرصد قصص الكفاح والنجاح لأبنائنا، وقد صار كل منهم «مليونير» بالحلال والقانون، ولكن يؤلمنا كثيراً أن نرى أحداً منهم وقد تحول إلى «غسلونير» يتلقى تعليماته وتوجيهاته من فاسد يقوده قَوَدا في درب الندامة.
في تلك المسرحية، ربما كانت الأموال تستثمر عبر تداولات مجنونة للأسهم، ولكنها على الأقل كانت تستثمر. أما الأموال اليوم، فإنها «تغسل» بعمليات معقدة وماكرة وخبيثة ومليئة بالتداخلات المتعمدة لتصعيب كشف عمليات إزالة دنس المخدرات والخمور وتجارة البشر وانتهاكات الطفولة والإرهاب عنها، فتبدو وكأنها نظيفة بعدما تستقر في أرصدة البنوك، بينما تلطخت وجوه أصحاب هذه الأرصدة من المليونيرية الجدد الذين يعرفهم الكويتيون تمام المعرفة مهما انتفخت جيوبهم، مثلما يعرفهم رجال الاقتصاد والمال ويرصدهم رجال الأمن والجهات الرقابية في الدولة مهما تلاعبوا قانونياً... وتبقى فقط الآن الإرادة الحقيقية لاكمال الطريق وتعريتهم.
ختاماً:
مثلما تدل البعرة على البعير، فإن الغسلة تدل على الغاسل الذي قَبِلَ أن يتلطخ ويكون «ممشة وصخ»، فينقل العار إلى ذويه لسنين طويلة مقبلة لا يعرفهم الناس فيها إلا باسم «عيال الغسلونير»!