طرْح الراعي أَرْبَكَ السلطة... وباسيل «أَغْرقه» بشروطِ نجاحٍ تُفْشِلُه
لبنان بين «الحياد» التدويلي والتحييد... «الترْقيعي»
محادثات لودريان «تأكيد المؤكد» لجهة الإصلاحات التقنية والسياسية
تتزاحم العناوينُ السياسية والمالية والصحية في أسبوعٍ يحلّ مُثْقَلاً بمساراتٍ طبعتْ الأيام الأخيرة، سواء على خطّ «معركة حياد لبنان» التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أو محاولة السلطة «لمْلمة الصفوف» بين مكوّناتها ومع القطاع المصرفي لإخراج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من المراوحة في دائرة التعثر، أو السعي لتطويق «الغزوة» غير المسبوقة من فيروس كورونا المستجد، عبر إجراءاتٍ محكومة بسقف «لا عودة لقفْل البلد والمطار» وبمفاضَلةٍ مُخيفة بين الاختناق المالي الشامل و«الموت الاقتصادي» وبين «فتْك كوفيد - 19» بالأمن الصحي لشعبٍ يحاصره زنّار أزمات لم يعد ينفع معها... «شدّ الأحزمة».
وتترقّب بيروت بحلول منتصف الأسبوع محطة ديبلوماسية بالغة الأهمية لوزير الخارجية الفرنسي جان - ايف لودريان الذي سيُجري على مدى يومين محادثات مع كبار المسؤولين، الذين يُفترض أن يسمعوا منه مباشرةً ما كان أعلنه أخيراً من مواقف بدا فيها «يتوسّل» الحكومة اللبنانية إنجاز «دفتر الشروط» الشَرْطي لمدّ يد المساعدة الدولية لـ «بلاد الأرز» بإصلاحاته التقنية كما السياسية ومفتاحها انسحاب لبنان من «خط النار» الاقليمي الذي انزلق إليه بالكامل مع إمساك «حزب الله» بمفاصل السلطة وإصراره على توظيف تَفَوُّقه في الواقع الداخلي لخدمة استراتيجية «وحدة المسار والمصير» بين أطراف المحور الإيراني بمواجهته الطاحنة مع واشنطن.
ولن تغيب عن محادثات لودريان، مبادرة حياد لبنان التي وضعها الراعي في عهدة الأمم المتحدة منذ أن طالبها قبل أسبوعين بالعمل على «إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده»، وذلك بالتزامن مع دعوة الرئيس ميشال عون إلى تحرير الشرعية والقرار الوطني، وسط اقتناعٍ بأن الكنيسة في طرْحها الذي يستبطن استشعاراً بالمخاطر الوجودية التي تواجه الكيان وبالأكلاف الباهظة لفائض سيطرة «حزب الله» داخلياً وابتعاد لبنان عن الشرعيتين العربية والدولية، تسعى لتشكيل أرضية إنقاذٍ، على صعوبة توفير ظروف بلْورتها «على البارد» قياساً إلى النفوذ القوي للحزب، تشكل امتداداً للجو الخارجي الذي يدْفع نحو انسحاب «حزب الله» من صراعات المنطقة وفك الارتباط بين مشروعه الاقليمي وبين الدولة.
وفيما كان البطريرك يكرّس مبادرته أمس باعتبارها من ضمن المحطات التاريخية لنشأة الكيان، بدا أن طرحه أرْبك أطراف الداخل ولا سيما الفريق المسيحي المتحالف مع «حزب الله» اي «التيار الوطني الحر» الذي كان مؤسسه الرئيس عون رَبَط «خريطة الطريق» التي أعلنها رأس الكنيسة بحصول توافق وطني حولها.
ولم يأتِ الكلام الذي أطلقه رئيس «التيار الحر» جبران باسيل بعد زيارته الراعي على رأس وفدٍ، مغايراً عن الاقتناع بأن هذا الفريق بات أمام إشكالية عدم القدرة على الظهور بموقع المغرّد خارج سقف الكنيسة أو الفاقِد لغطائها، وذلك لحسابات عدة، ليس أقلها الاستحقاق الرئاسي المقبل، وفي الوقت نفسه غير المستعدّ لفكّ التحالف مع «حزب الله» الذي تتشعّب ركائزه من اعتباراتٍ ذات صلة بتقاسُم السلطة وتوازناتها كما بـ «البُعد المشرقي» بخلفياته السياسية الاقليمية.
من هنا، جاءت مواقف باسيل «حمّالة وجه»، وعكستْ مناخاً يحاول «تدجين» عنوان الحياد لمصلحة شعار التحييد، أي العودة لـ «النأي بالنفس»، الذي ترى أوساط على اطلاع بمواقف دول عربية وغربية عبر «الراي»، أنه بات «منتهي الصلاحية» بمعناه الذي يقتصر على البُعد النظري الذي يجعل «حكومة حزب الله» تنفض اليد من أدوار الأخير في ساحات عدة، كما من استرهانه مجمل الوضع الوضع اللبناني لأجندته الاقليمية.
ولاحظت الأوساط أن باسيل وضع عملياً «خريطة طريق» مضادة، لما يحاول الراعي رسْمه من خلال رهْنه «الحياد الذي هو تموضع استراتيجي وخيار اذا اتخذناه يجب التأكد من إمكان تطبيقه وملاءمته للواقع» بـ 3 عوامل: «التوافق الداخلي وإلا تسبّبنا بالانقسامات، وتأمين مظلة دولية ورعاية خارجية كاملة لتأمين احترام الحياد وتطبيقه من الدول وهذا يتطلب وضعية قانونية معترف بها من الأمم المتحدة، والأهمّ وجوب اعتراف الدول المجاورة بهذا المبدأ وتطبيقه عبر إخراج عناصر الخارج المتفجّرة بالداخل اللبناني ومنها احتلال الارض من اسرائيل، والارهاب المنظّم الموجود في لبنان من الخارج، وترسيم الحدود كي نستطيع العيش من دون خلافات مع الجوار، وموضوع النازحين السوريين والوجود الفلسطيني».
وإذ أكد «اننا كتيار، أساساً مع تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور وطبّقنا ذلك من موقعنا في الخارجية أو بمواقفنا، وانما التحييد هو قرار ذاتي يطبقه الشخص من تلقاء ذاته وقد اسميناه في لبنان بالنأي بالنفس»، أعلن «اننا مع الحياد الذي يحفظ للبنان وحدته وعناصر القوة».
وكان الراعي قال في عظته بعدما أمّت وفود شعبية مقره الصيفي دعماً لمواقفه «عندما أعلن لبنان الكبير في الأول من سبتمبر 1920 حمَل رسالة العيش معا مسيحيين ومسلمين بدستور خاص فكان بمثابة فسيفساء غنية بمكوناتها المتنوعة وبوحدتها، ولما أُعلنت سيادة لبنان باستقلاله الناجز سنة 1943، ثبّتت الدولة دورَها المستقل في منظومة الأمم وأقامت ميثاقها الوطني بتأكيد العيش المشترك المتوازن والمتساوي بالحقوق والواجبات بين مكونات الوطن. وبهذا الميثاق أعلنت حيادها بالمفهوم القانوي والدولي بمقولة لا شرق ولا غرب والانفتاح على جميع الدول ما عدا اسرائيل بسبب حال العداوة والاحتلال كما التزام الدفاع عن القضايا العربية المشتركة والقضية الفلسطينية، دون دخول أحلاف سياسية أو عقائدية أو عسكرية إقليمية ودولية».
وأضاف: «بقوة الدستور والميثاق والوحدة استطاع لبنان أن يتجاوز محنة 1958 وخطر التقسيم أثناء الحرب اللبنانية المشؤومة. وجاءت وثيقة الطائف لتجدد الدستور الأول كعقد لوجود لبنان والميثاق الوطني كعقد لسيادته، مع ما يلزم من تعديل وتوضيح. فلا بد من استكمالهما بنظام الحياد الناشط والفاعل وهو كعقد للوحدة الداخلية والاستقرار. إن نظام الحياد يقتضي وجود دولة قوية بجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها، وقادرة على الدفاع عن نفسها وشد أواصر وحدة شعبها، وإيجاد الاستقرار السياسي والنمو. ونظام الحياد هو استرجاع لهويتنا وطبيعتنا الأساسية».
وجاء كلام البطريرك الماروني على وقع موقف حاد لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبدالأمير قبلان في رسالة وجّهها في الذكرى السنوية الـ 14 لعدوان يوليو، إذ اعتبر «ان السخافة والنذالة أن نجد من يتعاطف مع الخونة والعملاء تحت عناوين شتى تريد تشويه صورة لبنان المقاوم والمنتصر على العدو الصهيوني بغية إخراجه من دائرة الصراع مع عدو ظالم»، محذراً من «تضييع بوصلة المصلحة الوطنية والأخلاقية في ما يتعلق بموقع لبنان وكيفية إنقاذه (...) وصولاً الى طرح حياد لبنان كمخرج من الازمات الحالية».
وأكد أن «الحياد بمنطق النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والسيد المسيح (عليه السلام) يعني أن ندافع عن بلد يذبح بسيف الحصار الاقتصادي وأن نلتزم قضايا المظلومين شعوباً وكيانات أينما كانوا، وأن نقول لمن قاتل وحرر الأرض واستشهد من أجل ذلك، شكراً لك، وأن نكون ضد شياطين النهب والفساد (...)».