دولٌ بمجلس الأمن تبحث «خطواتٍ إجبارية» لتنفيذ الـ 1559 و1701
لبنان في قبضة «المعادلة الصعبة»
لم يعد ممكناً في بيروت القفز فوق مَعالِمِ «الرافعة الدولية» التي تسعى لتحويل الانهيارِ المالي - الاقتصادي والمسار الإصلاحي «القيصري» للخروج منه إلى «فرصة» للدفع نحو «الإصلاح السياسي» بمعناه المتصل بالتموْضع الاستراتيجي للبنان ووضعية السلاح خارج الشرعية وجرّ البلاد بقوة موازين القوى إلى «المحور الإيراني» من ضمن تَمَتْرسٍ بمواجهة الولايات المتحدة ينذر بتداعيات أكثر من خطِرة على ما تبقى من «قطرة أمل» بإمكان النهوض من أعتى عاصفة تضرب البلاد بفعل انكشافها الكامل على الصراع الاقليمي ولعبة «ليّ الأذرع» فيه.
وليس عابراً في رأي أوساط واسعة الاطلاع، الارتفاعُ التصاعُدي في «المؤشر السياسي» للأزمة اللبنانية بشقّه الاقليمي - الدولي، المحكوم بمساريْن: الأول داخلي منطلقه اتفاق الطائف كناظِمٍ دستوري - ميثاقي للتوازنات الطائفية - المذهبية ولإطار نزْع سلاح الميليشيات، وصولاً إلى «إعلان بعبدا» (2012) حول النأي بالنفس عن صراعاتِ المنطقة، والثاني خارجي يرتكزُ على سلّةٍ من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتي تشكّل الوعاء الدولي الراعي لمبدأ «سلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي» على قاعدة وحدة السلاح بيد الشرعية اللبنانية وبسط سيطرتها على كامل أراضيها وترسيم حدودها مع سورية.
وفيما يتكفّل الأداء المتخبّط للائتلاف الحاكم عبر حكومة الرئيس حسان دياب في تعميقِ متاعبِ بيروت على جبهة البحث عن «الترياق» التقني للأزمة المالية التي تشي بابتلاع «لبنان الذي كان» وتحويله «حطاماً» على وقع محاولة لـ «تثبيت أقدام» نموذج «الاقتصاد المُقاوِم»، فإنّ الوجه السياسي للمأزق اللبناني يتبلور تباعاً وفق دينامية محلية وخارجية تعكس تَشابُكاً بين الانفراج المالي والإفراج عن «القرار الوطني الحر» يؤشّر إلى اشتداد مرتقب في «المكاسرة» المتعددة الوجه وذلك بمعزل عن لعبة «الشدّ والتراخي» وإشاراتها المتناقضة واقعياً أو بفعل «فائض الأوهام» الداخلية.
وإذا كان «حيادُ لبنان» الذي يقود قاطرتَه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي (يزور اليوم الرئيس ميشال عون) الذي أطلق «نداءَ النجدة» للأمم المتحدة والدول الصديقة لـ«تنفيذ القرارات الدولية» يُعتبر الأرضية الداخلية لعملية الارتداد على محاولة طمْس ركائز لبنان ودوره التاريخي، فإنّ هذه الاندفاعة يُلاقيها دولياً وعربياً مناخٌ عاود إعلاء أولوية «استرداد» الدولة مقوّماتها كمدخل لا مفرّ منه لإقلاع قطار الإنقاذ المالي.
ولم يكن أدلّ على هذا التداخل من المقاربة التي قدّمها مكتب المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش تعليقاً على طرْح الراعي حول حياد لبنان (ربطاً بسؤال كان توجّه به تلفزيون الـLBCI) إذ أكد أن الامم المتحدة «تتابع دائماً باهتمام كبير رسائل غبطة البطريرك الراعي كل القيادات الدينية في لبنان (...)»، داعياً «القادة السياسيين لإجراء الإصلاحات الضرورية التي يمكن أن تساعد في إطلاق المساعدات الدولية».
وإذ أكد كوبيتش أن الأمم المتحدة «ستظل ملتزمة مساعدة السلطات اللبنانية في جهودها لضمان التطبيق الكامل للقرارات 1701 و1559 و1680 وغيرها، وتدعو لبنان وجميع الأطراف الى الالتزام التام بها كما بالتزاماتها الاخرى المنصوص عليها في الدستور واتفاق الطائف وإعلان بعبدا»، لفت إلى «أن التقارير الدورية للأمين العام (أنطونيو غوتيريس) حول تنفيذ الـ 1701 و1559 ترصد مؤشرات عدم تنفيذهما على نحو واسع النطاق من الأطراف المعنية، وهي التقارير التي تناقش بشكل دوري في مجلس الأمن وتستثير الانتقادات من الدول الأعضاء الذين يبحثون اتخاذ خطوات أخرى لتشجيع الأطراف وإجبارها على إبداء المزيد من الالتزام بتنفيذ تلك القرارات»، وموضحاً أن «من المقرر أن تنعقد الجلسة المقبلة لمجلس الأمن حول تنفيذ الـ 1701 خلال أسابيع قليلة، قبل مناقشة قرار تمديد ولاية اليونيفيل».
وعَكَس موقف كوبيتش بوضوح اتجاهاً أممياً لمسار «إجباري» لم يكن ممكناً تَلَمُّس كل أبعاده في ما خص تطبيق القرارات الدولية، وسط ملاحظة الأوساط المطلعة أن التمديد لـ «اليونيفيل» سيتحوّل ساحة اشتباك جديدة مفتوحة على الضغوط المتعاظمة على «حزب الله» في موضوع سلاحه وممراته (عبر سورية) التي تربطه بـ«قوس النفوذ» الإيراني كما على طهران لوقف تَمَدُّدها في ساحات المنطقة.
في هذا السياق، وُضع تلويح واشنطن بالرغبة في إجراء تعديلات على مهمة «اليونيفيل» مع التلميح لإمكان خفض مساهمتها في تمويلها (تساهم بنحو 35 في المئة من موازنتها) ما لم يتم منحها تفويضاً يتيح لها تنفيذ موجبات الـ 1701 بمنع وجود سلاح «حزب الله» جنوب الليطاني، وسط معلومات عن ضغطٍ ستمارسه لتعديل مهماتها ونشرها على الحدود مع سورية لمنع تدفق السلاح إلى الحزب، وصولاً إلى كلام قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي الذي زار بيروت قبل أيام، وأعلن أنّ واشنطن ملتزمة دعم لبنان والقوى الشرعية فيه، معتبراً أنّ «حزب الله لا يزال المشكلة وإذا نفّذ الحزب عملية ضد إسرائيل يكون ارتكب خطأ كبيراً»، موضحاً ان «واشنطن أسست مسرحاً كاملًا لردْع إيران بشكل مباشر وغير مباشر وأن تكلفة أي فعل ضد القوات الأميركية في المنطقة ستكون باهظة».
وفيما كان هذا الجوّ الدولي يعتمل ولو بلا ضجيج داخلياً وسط تظاهرة نفّذتها مجموعات من الحراك الشعبي أمام مقرّ السفارة الفرنسية (لمناسبة العيد الوطني) تخللها تسليم مذكرة إلى الرئيس ايمانويل ماكرون تدعو إلى حض المجتمع الدولي على تطبيق الـ 1559، لم تغِب المحادثات التي أجراها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في الكويت موفداً من عون عن المشهد المحلي في ضوء تعويل بيروت عليها لـ«فتْح نافذة» دعْم يُراد أن يتمدّد عربياً.
وفيما وضع إبراهيم فور عودته الرئيس اللبناني في أجواء لقاءاته وخلاصاتها، قبل أن يزور أمس الرئيس نبيه بري في السياق عينه، برز كلامٌ عالي البنرة للرئيس دياب خلال جلسة مجلس الوزراء، إذ لفت الى «أنكم تعرفون أن الاتصالات مع أشقائنا في العراق والكويت وقطر ومع أصدقائنا في العالم، تشهد تطوراً إيجابياً ومشجّعاً لمساعدة لبنان»، مشيراً الى «أننا نحفر الصخر حتى نستطيع تخفيف حجم أزمة البلد. وبالمقابل، هناك أناس ما زالوا مصرين على زيادة معاناة اللبنانيين.
وتساءل: «معقول أن هناك مسؤولاً سياسياً عنده ضمير وطني ويحاول منع مساعدة لبنان بهذه الظروف؟ معقول هناك مسؤول حزبي كل همه أن يعرقل أي مساعدة؟ هذا معيب وأقرب إلى الخيانة الوطنية. وما سمعناه من أشقائنا في الدول العربية عن الاتصالات التي حصلت معهم من بعض السياسيين اللبنانيين، مخجل فعلاً».