الانهيار المُتَسارِع والبركان الشعبي يحاصران السلطة
لبنان: «بالوناتُ اختبارٍ» حوّلت الحكومة... «جثة» سياسية
... «الضرب في الميت حرام»! عبارةٌ بدت الأكثر تعبيراً عن واقع الحكومة اللبنانية التي دهمتْها مناخاتُ «نعْي» لها لن تخرج منها إلا مستقيلةً - مستقالَة أو إلى مزيد من «الموت السريري» فيما البلادُ تكاد في قطاعاتها المالية - المصرفية - الاقتصادية والأهمّ في الكوارث الاجتماعية - المعيشية المُتدافِعة أن... تلفظ أنفاسَها.
ولم يكن ممكناً أمس، القفزُ فوق طلائع إشاراتِ سحْب البساط السياسي من تحت أقدام حكومة الرئيس حسان دياب التي تقف أساساً على أرضّ مهتزّة شعبياً، من دون أن يُتاح الجزمُ إذا كان الكلامُ عن التغيير الحكومي مجرّد «قنبلةٍ دخانيةٍ» في إطارِ المناورات بين أركان الائتلاف الحاكم ومع خصومه أو في سياقِ تداعيات تَسارُع وتيرة السقوط المالي - النقدي المريع وبدء «جرْفه» التركيبة التي لم تنجح على مدى خمسة أشهر في إحياء «شبكة الأمان» الدولية التي لطالما شكّلت «بوليصة التأمين» للواقع اللبناني قبل أن يوضع «في فم» المواجهة الأميركية - الإيرانية الطاحنة التي بات «حزب الله»، المُمسِك بالإمرة السياسية والاستراتيجية في «بلاد الأرز»، على لائحة «أكثر المطلوبين» فيها.
وأبدت أوساطٌ سياسية حَذَراً كبيراً في مقاربة أجواء رفْع الغطاء عن الحكومة واندفاعة التصريحات والحِراك الذي جرت المجاهرة بأنه يأتي في إطار محاولة إيجاد دينامية توصل إلى «التغيير الإنقاذي»، وذلك بعدما كانت البلاد مشدودةً إلى مساريْن:
* الأوّل ارتفاع «المتاريس» بين مكوّنات الحكومة ورعاتها حول منطلقات خطة التعافي وأرقام الخسائر و«أصل» التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان كما بإزاء المآل الذي انتهت إليه محاولة إسكات السفيرة الأميركية دوروثي شيا بحُكْم قضائي أطاح بالقاضي محمد مازح بدفْع من فريق الرئيس ميشال عون.
* والثاني تَمَدُّد وتيرة الغضبة الشعبية التي يتم التعبير عنها على مدار الساعة بقطْع الطرق تحت وطأة اقتراب سعر صرف الدولار من عشرة آلاف ليرة، وسط تصاعُد المخاوف من عتمة كاملة ولو لأيام محدودة ابتداءً من الأحد، وكرّ سبحة متاجر كبرى توالى أمس إعلان قفْل أبوابها، وذلك في موازاة تحذيراتٍ غربية متزايدة من انزلاق الوضع في لبنان إلى العنف و«الانفجار الكبير» على وقْع تقارير عن أن المحادثاتِ مع صندوق النقد الدولي حول برنامج التمويل الإنقاذي تشارف على الانهيار.
وإذ رأت الأوساط السياسية أن المناخ المستجدّ أوحى وبمعزل عن مآلاته الختامية بأن الحكومة «انتهت صلاحيتها» وأنها باقية لعدم توافر بديل، رسمتْ علامات استفهام كبرى حول حقيقة وجود قرارٍ بتغيير حكومي يبقى «القفل والمفتاح» فيه موقف «حزب الله» ومدى ملاءمة مثل هذا الخيار لأجندته الاقليمية المضبوطة على إيقاع المواجهة الأميركية - الإيرانية ومستلزماتها.
واعتبرت الأوساط أن الأساس في أي تفكير باستيلاد حكومة جديدة هو أن تُعطى في السياسة ما لم يُمنح لحكومة دياب، وتحديداً لجهة فك الارتباط بين «حزب الله» وأزمات المنطقة ووقف استرهان لبنان للصراع الاقليمي والإمعان في إبعاده عن الشرعيتين العربية والدولية، والسماح بتنفيذ الإصلاحات التي توصل في جوانب منها إلى إضعاف مرتكزات «الاقتصاد الموازي» الذي يغذي بيئة الحزب.
وتشير الأوساط نفسها إلى أن «حزب الله» الذي كان أمينه العام السيد حسن نصرالله دعا للاستعداد لـ «حرب طويلة» بالصمود في وجه «قانون قيصر» ومعادلة «الجوع أو السلاح» والذي تَكيّف لوجستياً مع هذه المرحلة عبر استراتيجية «السفن الغذائية» من إيران، يصعب أن يسلّم بتقديم تنازلاتٍ تمثّل إعلان فشل صريحاً للحكومة التي يشكّل قاطرتَها الرئيسية في عزّ المواجهة لأن ذلك سيُفسَّر ضعفاً يفتح شهية خصومه الدوليين على المزيد من الضغط، ناهيك عن أن التفاهم على أي بدائل من نوع حكومات الوحدة الوطنية دونه بالحدّ الأدنى ممانَعة قوى المعارضة للحكومة لا سيما الرئيس سعد الحريري العودة الى السرايا على خلفيةٍ معلَنة هي رفْض التعايش مجدداً مع فريق عون وأخرى مضمرة وهي عدم وجود حماسة خارجية لتوفير أي مقوماتِ إنعاشٍ للعهد.
وإذ لاحظت هذه الأوساط أن اللقاء البارز الذي جمع بعد ظهر أمس رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل جاء أقرب إلى «تمديد الفرصة» للحكومة في ضوء ما كُشف عن خلاصاته، توقفت عند ما سبق هذا اللقاء من مؤشرات مباشرة وأخرى «حمّالة أوجه» إلى أن مصير الحكومة بات على الطاولة، وأبرزها:
* زيارة نائب رئيس البرلمان ايلي الفرزلي، للحريري، مناشداً دياب «تسهيل ايجاد حكومة بديلة تساعد على الحلول»، بعدما كان أعلن «أن مبررات إقالة الحكومة باتت متوافرة وما بقاؤها إلا لعدم توافر البديل في هذا الظرف الخطير».
* تأكيد النائب آلان عون (من التكتل النيابي للرئيس عون) انه «إذا لم تستطع الحكومة كبح الانهيار وفرملته، من الطبيعي أنها ستنهار هي (...) فالعجز عن مواجهة المشكلة سبب كافٍ للبحث عن بدائل»، معلناً «صحيح أن ما من بديل جاهز عن الحكومة الحالية، ولكن الخطأ الأكبر أن نبقى في حالة إنكار أن الأمور لا تزال تحت السيطرة في الظروف الحالية، فإما أن يتمكن القيمون على الحكومة من إيجاد ظروف نجاح لها بشكل سريع جداً، وإما علينا اختصار الوقت والذهاب فوراً إلى البحث عن البديل».
* الهجوم العنيف للزعيم الدرزي وليد جنبلاط على «حكومة اللاشيء والعدم والإفلاس والجوع»، في موازاة كشْف الوزير السابق وئام وهاب عن «مفاوضات تدور في المجالس لتشكيل حكومةٍ والخلاف هو على بعض التفاصيل»، داعياً دياب للاستقالة.
* كلام دياب في مستهل جلسة الحكومة أمس وسؤاله «هل انتهى دور الحكومة»؟ قبل أن يشنّ هجوماً نارياً على «جهات محلية وخارجية تعمل على محاصرة اللبنانيين وإدخال لبنان بصراعات المنطقة (...)»، وصولاً لإعلانه غمزاً من قناة المواقف الأخيرة للسفيرة الأميركية «سكتْنا كثيراً عن ممارسات ديبلوماسية فيها خروق كبيرة للأعراف الدولية حرصاً على الصداقات والعلاقات لكنّ هذا السلوك تجاوز كلّ مألوف».
وفي موازاة ذلك، بقي الحِراك الديبلوماسي البارز والمكثّف للسفير السعودي في بيروت وليد البخاري محطّ أنظار بعدما استكمل امس حلقة اللقاءات التي يعقدها باجتماعٍ مع جمعية المصارف برئاسة سليم صفير الذي أكد اهمية العلاقات مع المملكة، كاشفاً أنه سيتم في سياق محاولات ضبْط سعر صرف الدولار «تأمين الدولار (للتجار) عبر المصارف بدعمٍ من مصرف لبنان»، وذلك بعدما كان البخاري التقى الاربعاء كلاً من السفيرة الأميركية والسفير البريطاني كريس رامبلينغ والسفير الاماراتي حمد الشامسي.