في حوارٍ تلفزيوني، عابَ شيخٌ مُعَمَّمٌ من «حزب الله» على أيّ شخصٍ أن يشمت بالرئيس السوري أو السلطة الحاكمة في دمشق بعد صدور «قانون قيصر» الأميركي، قائلاً بما معناه إن ذلك يتنافى والشرائع الدينية والمبادئ الوطنية.
فالشماتة، سواء أتتْ من لبنانيين أو سوريين بحاكِم سورية نتيجة صدورِ قانونٍ يفرض مزيداً من العقوبات المشدَّدة على ما بقي مِن سلطةِ دمشق، هي فِعْلٌ أشبه بالخيانة هنا، لأن الفرحَ بضررِ نظامٍ يقف على جبهةِ التصدي والمقاومة بالنسبة إلى العدو الإسرائيلي هو استتارٌ مضمرٌ لمساعدةِ «أعداء الأمة» على النيْل من هذا النظام...
لكن هذا المنطق يحتاج إلى أكثر من نقطة نظام بالإذن من شيخ «حزب الله».
«قانون قيصر»، بغض النظر عن تفاصيله والنتائج التي يمكن أن تفضي إليه والضرر الذي سيَلْحَقُ بالسوريين كشعبٍ بنتيجته، وبعيداً من سياسة أميركا التي لا ترى الأمور إلا بعينِ مصالحها تخطيطاً وتوقيتاً، وتَجاوُزاً لأدبيات «حزب الله» الدائمة بأن حرباً كونية شُنَّت على بشار الأسد وانتصر فيها.
إلا أن القانون بُني أساساً على شهاداتٍ مُوثَّقة ومُصدَّقة من السلطات الأمنية - الصحية السورية، عن نحو 13 ألف ضحية سقطوا نتيجة التعذيب في السجون. وكل صورة من الصور التي عُرضت تعود لشخصٍ معروفِ الوالدين والأقارب والأصدقاء، ومُحَدّدَة لمكان الزنزانة التي اعتُقل فيها وللحفرة التي دُفن فيها.
طبعاً، أمام «هدف تاريخي» عظيم مثل تَوازُن الرعب مع إسرائيل لا يضير «حزب الله» أن ينفي صحة وجود تعذيبٍ في سجون سورية أو قهْرٍ للناس أو حتى إبادة. بل أكثر من ذلك، يمكن لقادة الحزب القول همساً إن التعذيب موجود ولكن هذا «الخطأ» يجب ألا يُرد عليه بـ «جريمةِ» القبول بإجراءاتٍ تطيح النظامَ الذي يرى الحزبُ أن الفضلَ يعود إليه في حبل السرة الرابط بين إيران والمقاومة.
بالعودة إلى مؤتمر صحافي للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عام 2010، وفي إطار روايةٍ ساقَها للقول إن إسرائيل اغتالتْ الرئيس رفيق الحريري (قصة حتى الحزب لم يعد يروّج لها... تماماً مثل قصة التورط في سورية دفاعاً عن لبنانيين في قرى في سورية أو عن المراقد) يقول إن السوريين اعتقلوا مُقاوِماً اسمه الحاج علي ديب (ومعروف بأبي حسن سلامة) بتحريضٍ من عميل أوهم الحريري أن الحزب يستهدفه.
المهمّ أن نصرالله يكشف أن هذا المقاوم خلال التحقيق السوري معه «تم طحْن عظامه» قبل أن يَعْلَمَ المحققون السوريون أنه بريء ويُطْلِقوه، أي أن النظام السوري طَحَنَ عظامَ شخصٍ من حزبٍ حليفٍ له، فكيف إن كان الأمر متعلّقاً بمعارضين أو مُنْتَفِضين على منطقِ المزرعة؟
وبغض النظر عن تثبيت نصرالله بطريقةٍ أو بأخرى صدقية الجهد التوثيقي الذي قام به الفريق السوري المنشقّ عن نظام الأسد حول ضحايا التعذيب، وبالعودة إلى فكرة شماتة بعضهم مِن «قانون قيصر» لأنه يسبّب ضرراً لهذا النظام، يمكن القول إن العيْبَ، كلُّ العيْبِ، يكمن في مَن ينكر على السوريين أساساً، وعلى اللبنانيين الذين عانوا مأساةَ الغيابِ تعذيباً وقتْلاً، مجرّد حقِ الدعاء على القاتل بمصيرٍ مماثل.
الأم التي أَجْبَرَها رجالُ المخابرات (وفق شهاداتٍ كثيرة) على تقبيل أحذيتهم وحتى بلاط المراكز الأمنية كي تعود ابنتها، ثم أعيد حذاء ابنتها فقط بعد دفْع الأم كل ما ادّخرته لأحد الضباط، ورُميت جثتها في حفرة. هل يقول لها شيخ «حزب الله» إن «الشماتةَ» عيْبٌ بعد «قانون قيصر»؟
الأُسْرَةُ التي عاد إليها طفلُها جثةً بلا أحشاء، والأخرى التي عادتْ إليها أحشاء بلا جثة، أو ابنة رَجُلٍ قُطعت حنجرته، أو عائلة رَجُلٍ كانوا يرسلون لها كل فترة اصبعاً من يده كي تنهار وتبلغ عن مكان وجود شقيقه... ألكل هؤلاء نقول: «عيْب» لا تَشْمَتوا؟
لن نُحاجِجَ في عدمِ محاربة هذا النظام لإسرائيل منذ 1967، ولا في تَقَبُّلِهِ الضربَ الإسرائيلي اليومي لقواعده والقواعد الإيرانية في سورية من دون ردّ. إنما يحقّ لمَن انتظر 53 سنة أن يتساءل عن طَحْنِ نظريّة «الردّ في الزمان والمكان المناسبيْن» لعظامِ أهْله في أقبية التعذيب. اللهمّ إلا إذا كان التساؤلُ أيضاً جريمةً مثل الشماتة والفرح.
لم يَعُدْ «حزب الله» قادراً على تبرير دفاعه عن بشار إلا بإعلان الوحدة الاندماجية معه، فالأسباب مكشوفةٌ وأن تَعَدَّدَتْ المبرّرات، لكن الشرعَ والدينَ والعمامات تؤكد أن «الظلم ظلمات» راهناً وفي يوم القيامة، أما إنسانياً وضمائرياً وأخلاقياً، فإن لم تَسْتَطِعْ إدانةَ الإبادة بالتعذيب فلا تُدافِعْ عنها ولا تُطْلِقْ رصاصَ «العيْبِ» على مَن خسر كل أولاده تعذيباً وقَتْلاً في السجون وسط تخلي «الحرب الكونية» كلّها عنه، ولا تَسْتَكْثِرْ عليه حتى ضمّ يديْه في اتجاه السماء قائلاً: «ما لنا غيرك يا الله».