السبت الفائت، أكد «حزب الله» ومن لف لفيفه من اليسار اللبناني الممانع، عقمَ وضحالة فكرهم، وانحسارَ خيارات الرد لديهم بالقوة الزائفة التي تجرأوا واستخدموها لقمع خصومهم الثوار الذين نزلوا إلى الشارع للمطالبة برزمة من الإصلاحات، ومن ضمنها استعادة سيادة الدولة اللبنانية والتي تقتضي نزع سلاح ميليشيا إيران في لبنان «حزب الله».
ولدى فشله في قمع التحرك بالترهيب والتخوين واستعمال قوات «النخبة» من شبيحته، لجأ «حزب الله» إلى الشحن المذهبي، دافعاً بمناصريه إلى إطلاق شعارات مذهبية تسيء للصحابة، وإلى محاولة مهاجمة عين الرمانة المسيحية، المنطقة التي تعتبر رمزاً من رموز الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين.
وفيما ركز الكثيرون على المشهد الذي عم الشارع اللبناني، لفتني شخصياً جوانب عدة في حركة استنهاض الثورة، ولا سيما الطريقة التي اتبعها البعض من أصحاب الأولويات الذين يعتقدون أن مسألة سلاح «حزب الله» أو «المقاومة» لا يجب أن تطرح في الشارع الآن، أو حتى أن تطرح أصلاً، والبعض الآخر الذي يريد بكل بساطة نزع السلاح الإيراني الذي تستخدمه الطبقة السياسية كأداة حماية للبقاء في السلطة ونهب موارد الدولة وأموال دافعي الضرائب.
أنصار الممانعة المنضويين تحت شعار الثورة حاولوا بطريقتهم المعهودة والغبية التركيز على أن سلاح المقاومة مقدس، وإن كان من ضرورة لمناقشته، فإن تلك المسألة الدقيقة تجري مناقشتها على طاولات الساسة الحوارية، حيث يقرر شيوخ الطوائف مصير سلاح هو في الأصل لا يخضع غير لمشيئة سيده في طهران.
«اتفاق الدوحة» أتى بعد محاولة انقلاب «حزب الله» على حكومة فؤاد السنيورة في ما عُرف بأحداث 7 مايو، في حركة عسكرية نجحت في العاصمة بيروت وفشلت ضد مناطق حصينة متمرسة على حماية الثغور، وثوار آخر زمن يريدون من الطبقة نفسها التي قبلت بتسوية الاتفاق أن يتراجعوا عن إحدى الخطيئتين اللتين ارتكبتا واللتين أوصلتا البلد إلى وضعه الحالي وإلى إلغاء القطبية الموجودة وإدخال لبنان في نادي العزلة العربية والدولية.
لكن النصر الحقيقي الذي حققته إيران آنذاك، هو جمع شيوخ الطوائف والاتفاق على قانون انتخابي نيابي جديد وانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان كرئيس للجمهورية بعد ستة أشهر من الفراغ الرئاسي وسحب موضوع سلاحها من التداول.
تم فرض التطبيع بين الشعب اللبناني وسلاح «حزب الله»، بحيث أصبح أيُّ كلام عن هذا السلاح - غير التبخير والتبجيل - «خيانة وطنية» تدخل ضمن المخططات الصهوينة الإمبريالية.
السبت الفائت، حاول بعض الأحزاب التقليدية استغلال موضوع السلاح والقرار 1559 وضخهما في النقاش الحاصل في محاولة للضغط على «حزب الله» بالقبول بالتضحية بحكومة حسان دياب والاتجاه نحو حكومة وحدة وطنية. فما كان من «حزب الله» إلا أن زاد استشراساً خالقاً في مواجهته زخماً شعبياً يرفض العمل التشبيحي والإلغائي هذا.
قد يستطيع الحزب فرض نفسه بقوة السلاح على سياسي معارض له ليس لأن هذا السياسي يخاف على حياته بل على حصته من النظام الزبائني، لكنه لا يستطيع أن يقنع أباً مُنع من تحويل أمواله العالقة في المصارف إلى أولاده في الخارج من أجل التعليم بأن سلاح إيران في لبنان يحمي لبنان ويحمي كرامته.
قد يكون «حزب الله» مقتنعاً بأنه قوي لدرجة أنه يستطيع أن يفرض مشيئته على الشعب بأسره وأن يحول لبنان بطوائفه المتعددة والسخيفة أحياناً إلى دمىً من رواية «أورويلية». ولكن ما جرى على أرض الواقع يذكّر الجميع بأن حزب الله ليس إلّا ميليشيا تختطف الطائفة الشيعية والشعب اللبناني، وتحاول أن تخفي عقمها وعقدها الكثيرة.
المسألة واضحة للجميع وليست بحاجة لقرارات دولية بأرقام متناقضة. لا حديث عن الإصلاح في ظل اللا دولة، ولا إمكانية لملء خزينة الدولة الفارغة بوجود سلاح يحمي الفساد.
«قرطاج يجب أن تُدمَّر»... عبارة رددها السياسي كاتو الأكبر (234 - 149 ق.م) في مجلس الشيوخ الروماني، ليذكر أقرانه بأنه ليس هناك من مجال للديموقراطية أن تتحاور مع أي كيان بربري يؤمن بالقوة.
من هنا، على الشعب اللبناني أن يردد فكرة اللا دولة، وقرطاج الجديدة يجب أن تُدمَّر كما دُمر «اتفاق الدوحة» في شوارع بيروت في 6 يونيو 2020.