هكذا هو جاء ليعيش بسلام من منطلق (يا غريب كن أديب)، جاء لتحسين مستوى معيشته لكي يظفر بحياة كريمة في غربته، لم يأت ليتنمر أو يعارض أو يتمرد أو يكون مارقاً لكفيله، أتى وقد ترك كل حياته السابقة بحلوها ومرها وراء ظهره وجاء ليولد من جديد، جاء ليؤدي ما يطلب منه. فهل يعقل إذا قال الكفيل لسائقه (اذهب بي إلى وزارة الكهرباء). يقول له: (لا سوف أذهب بك إلى وزارة التجارة) - مثلا - وهل يعقل إذا قالت الكفيلة لطاهيتها (اطبخي لنا اليوم دجاج). تقول لها (لا سوف أطبخ لكم اليوم سمك). هل يعقل؟! بالله عليكم لنكن منصفين...
وهذا ما ينطبق على المعلم الوافد إذا طلب منه مدير المدرسة أن يساعد ابنه أو ابن صديقه أو ابن أحد المسؤولين أو الوزراء، فليس بإمكان المعلم الوافد أن يرفض وإلا سيكتب فيه المدير تقريراً سيئاً ويفصله عن العمل، فالمعلم الوافد يعمل من منطلق (عض قلبي ولا تعض رغيفي)، حتى المستشار الوافد في أي وزارة أو مؤسسة إذا طلب منه أن يجد ثغرة في مواد القانون مُنجية ومُنقذة؛ فسيجد هذه مهارته؛ فاللغة حمالة أوجه، إسرائيل غيرت مجرى اتفاقيات بسبب ( الـ) التعريف (الأراضي أو أراض)، وكذلك المستشار القانوني الوافد في مكاتب المحاماة، ليس المطلوب منه إصلاح ذات البين ولا التوفيق بين الزوجين، بل المطلوب منه إعداد مذكرة تربو على ثلاثين صفحة يضع فيها كل القوانين لرفع قضية على الزوج المسكين (قضية نفقة وخادمة وأحذية كعب عال)، حتى يقول الزوج (ربي السجن أحب إليّ)، أما الخبير الوافد الذي يضع الاختبار للمواطنين الذين يتقدمون لوظائف إشرافية، فيطلب منه أن يأتي بأسئلة تحتمل إجابات عدة، ويطلب منه أن يترك مساحة لإجابة واحدة فقط (واللبيب بالإشارة يفهم)، إنها سياسة. مناخ ملوث مفروض عليك.
الوافد جاء وهو مقتنع بالمثل القائل (اربط الحمار مطرح ما عاوز صاحبه)، فهو جاء لينفذ مقابل أجر (يجوز أو لا يجوز... حرام أو حلال) هذا ليس من اختصاصه؛ بل وزر ذلك يقع على عاتق رب العمل.