كما ذكرنا في مقالنا الفائت استطاع الكاتب محمد أنور محمد، مؤلف مسلسل محمد علي رود، بطريقة احترافـية وببصيرة ثاقبة أن يتوارى خلف حكاية من قصص التراث؛ ليرمي بظلال ما جادت به قريحته على واقع معاصر وأحداث عشناها وما زلنا نعاني منها إلى يومنا هذا من بعض التيارات والحركات والأحزاب والمذاهب، التي ما فتئت تحاول أن تسيطر على مفاصل الدولة من خلال سياسة التمكين ولإنشاء دولتهم العميقة، فكل من أراد منصباً ومكانة مرموقة امتطى هذه التيارات، دخلاء ومرتزقة وإمّعات أصبحت من أصحاب القرار السياسي، شغب وفوضى وموازين مقلوبة وإقصاء الكفاءات وتهميش الوطنيين الصادقين واستبدالهم بمدّعين.
ملك المؤلف ناصية الكتابة القصصية السيميائية من خلال (الربط والفك) بين القديم والجديد، فهو يستلهم من القديم ليعالج به الجديد وهذه تعد نظرة إصلاحية.
اعتنى الكتاب بشخوص قصته عناية تنم عن دراية وخبرة في علمي النفس والاجتماع؛ ولعل شخصيتي (سلطانه وغازي) كانتا الأصعب في هذه القصة؛ فلولا براعة الكاتب لما استطاع السيطرة على هاتين الشخصيتين حتى النهاية؛ فـ (الكاركتر المركب) يحتاج إلى بُعد أو بُعدين كحد أقصى، إلا أن هاتين الشخصيتين احتاجتا إلى أكثر من بُعد (نفسي وخلقي واجتماعي وجسدي)، هذا ما نراه اليوم من أحقاد دفينة ونكران للجميل وخيانة العهد والأمانة وتأليب العامة على أهل البلد الأصليين؛ فهذه مهارة تحسب للمؤلف محمد أنور محمد.