شينكر يتطلّع لفرض عقوبات على قوى داعمة للحكومة ومتحالفة مع «حزب الله»
لبنان المُحاصَر بالأزمات يلهو بـ... «حروب صغيرة»
تتعمّق في لبنان معالم مشهدٍ يثير ذهول الخارج وتبدو معه البلاد أشبه بسفينة مثقوبة يتسابق مَن على متنها على استدراج المزيد من «الأحمال الثقيلة» التي تُسَرِّعُ في غرقٍ، مالي وسياسي، صارتْ تطفو على سطحه مخاوف من أن يكون أطراف في الداخل والخارج بدأوا «يستثمرون» فيه.
ففي حين يستجدي لبنان دعْم المجتمع الدولي لانتشاله من الهاوية المالية التي وَقَعَ فيها بفعل سوء الإدارة التقنية والفساد، كما نتيجة الواقع الجيو - سياسي وارتهان البلاد لمحورٍ إقليمي في وجه محيطه العربي والشرعية الدولية، إذ بالأطراف الوزانة فيه لا تتواني عن تحريك صفائح سياسية وطائفية ساخنة في إطار منازلات غالبيّتها على طريقة «المعارك الصغيرة»، فيما يشي بعضها مثل استحضار ملف النظام وتطويره بخفايا يصعب فصْلها عن الجذور العميقة للصراع المفتوح في لبنان منذ 2005 والموصول بصواعق المنطقة وحرب النفوذ فيها.
ولم يكن أدلّ على هذا الواقع السوريالي من نصْب خطوط توتر سياسي داخل «البيت الحكومي» فوق مسارِ المفاوضات البالغة الدقة مع صندوق النقد الدولي لتوفير تمويلٍ لبرنامجِ التعافي المالي والاقتصادي، في موازاة طغيانِ الأبعاد الطائفية على أكثر من ملفٍ جرى على تخوم بعضها نبْش دفاتر الحرب الأهلية ونكء جراحها بـ «لغةٍ حربية» تهديدية برسْم الحاضر والمستقبل، وكل ذلك فيما فيروس كورونا المستجد ما زال أبعد من أن يرفع «الراية البيضاء» رغم ترنُّح عدّاد إصاباته صعوداً وهبوطاً، علماً انه حصد أمس 7 حالات جديدة (4 لمقيمين و3 لوافدين) رفعتْ العددَ الإجمالي إلى 1168 (بينها 699 حالة شفاء و26 وفاة).
وفي هذا الإطار، اتجهت الأنظار أمس إلى الجلسة التشريعية للبرلمان وسياقها الذي جاء مدجّجاً بالخلاصات متعددة البُعد، وذلك عشية التئام مجلس الوزراء على وقع كباشٍ معلَن داخل الاتئلاف الحاكم وتحديداً بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب ومعه المكوّنات الحكومية (حزب الله وأمل وتيار المردة) التي كانت صوّتت ضدّ إدراج معمل سلعاتا ضمن خطة الكهرباء التي أقرّها مجلس الوزراء (التفاوض مع الشركات الراغبة في إنشاء معامل لإنتاج الكهرباء)، وهو ما دفع عون لرفْد تَمَسُّك «التيار الوطني الحر» بالتلازُم بين «مثلث» معامل الزهراني ودير عمار وسلعاتا، عبر ردّ القرار طالباً من الحكومة إعادة النظر فيه، مستنداً إلى صلاحيته الدستورية.
ولم تحمل الجلسة التشريعية التي التأمت للمرة الثانية في «زمن كورونا» في قصر الاونيسكو مؤشراتٍ لسكْب مياه باردة على «المحَاور الساخنة» حكومياً، ولا سيما في ضوء ما خلص إليه إقرار اقتراح القانون المتعلّق بآلية التعيينات لموظّفي الفئة الأولى في الإدارات العامة، وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة وما تضمّنه من «كفّ يد» للوزير المختص، لجهة تكريس التباعُد بين أطراف الائتلاف الحاكم خصوصاً أن «التيار الحر» غرّد وحيداً خارج سرب هذا القانون الذي يستعدّ للطعن به، معتبراً إياه مخالفاً للدستور.
وجاء إقرارَ هذا القانون ليطرح علامات استفهام حول ارتداداته على عمل الحكومة خصوصاً ملف التعيينات التي أصابتْها أساساً تشظيات «الخلاف الكهربائي» والتي تُعتبر ولا سيما في شق التعيينات المالية والكهربائية التي يترقّبها المجتمع الدولي من «علامات» جدّية الحكومة في وعود الإصلاح وملاقاة مرحلة التفاوض مع صندوق النقد
بـ «صفوف مكتملة»، ذلك أن عون كان اعتبر صراحة قبل نحو أسبوعين تعليقاً على آلية التعيينات التي كان أحالها مجلس الوزراء على لجنة لمناقشتها أن هذه مخالفة للدستور، و«هناك مادة دستورية تعطي (الوزير) المختَصّ حق اقتراح الاسماء التي يريدها».
ولم تستبعد دوائر سياسية أن يُفْضي القانون المتعلق بآلية التعيينات إلى رفْع منسوب الأجواء المضطربة داخل مجلس الوزراء اليوم بعدما كانت اتصالات الساعات الماضية ركّزت على محاولة إيجاد مخرج لنزْع فتائل ردّ عون القرار المتعلق بخطة الكهرباء، وذلك على قاعدة تفادي معاودة طرْح الموضوع على التصويت وسط إصرار القوى الرافضة لمعمل سلعاتا على موقفها، وفي ظل انطباعٍ كان ساد بأن «التيار الحر» يسعى أقلّه إلى انتزاعِ ضمانة بأن المعمل جزء من الخطة ولو أرجئ بدء تنفيذه لما بعد معمليْ دير عمار والزهراني.
ولم تحجب «القلاقل» السياسية اتساع دائرة التوترات التي تتخذ منحى طائفياً يشي بانزلاقاتٍ قد يصعب ضبْطها. فإلى جانب «الطَبَقة» الطائفية في «استدراج العروض» حول النظام السياسي الذي ارتسم في الأيام الماضية، طغى البُعد نفسه على اقتراح قانون العفو الذي أُدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية للبرلمان أمس، والذي فاحتْ منه رائحةُ «توازنٍ طائفي» أريد إرساؤه على طريقة «6 و6 مكرر» التقليدية، ما استدعى اتصالات مكوكية استمرّت حتى خلال انعقاد الجلسة لمحاولة الوصول إلى توافق عليه يضمن إمراره «ميثاقياً» بعد إشارات الـ «فيتو» المسيحي بوجْهه ما لم يشمل المُبعدين الى إسرائيل (ويُسقِط خفْض العقوبة على غير المشمولين بالعفو ممن أمضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة) وبما يُلاقي «ركيزتيْه» الأخرييْن القائمتيْن على إيجاد حلّ لتجار المخدرات في البقاع والسجناء الاسلاميين.
وكاد هذا الملف الذي تَرافَقَ مع حملةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي توعّدت نواباً ومؤيّدين للعفو عن المُبعَدين «العملاء» بعنوان «حقّن رصاصة»، أن يحجبَ الأنظار عن قانون رفع السرية المصرفية الذي أقرّ وخصوصاً لجهة ما اعتبرتْه الدوائر السياسية بُعداً خطيراً شكّله بشموله (الى جانب أي شخص يؤدي وظيفة عامة أكان معينا او منتخبا) رؤساء الجمعيات التي تتعاطى نشاطاً سياسياً ورؤساء مجالس إدارة وسائل الإعلام، كما عن إقرار مشروع قانون فتح اعتماد بـ 1200 مليار ليرة لدعم شبكة الأمان الاجتماعي والتحفيز وفق رؤية الحكومة، علماً أن الجلسة كان مدرجاً عليها أيضاً اقتراح قانون «وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية (الكابيتال كونترول)» الذي أرجئ بتّه لزوم ضمان مراعاته سقوف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وفي موازاة ذلك، كان مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شينكر يطلّ مجدداً في مقابلة مع «فرانس 24» على الواقع اللبناني والمفاوضات مع الـ IMF، مذكّراً بأن «الحكومة اللبنانية هي حكومة تحالف مع حزب الله، وحزب الله المعروف أنه ضد الإصلاحات هو جزء من الحكومة، ونحن ننتظر التزامها بالإصلاح، وعندئذ يمكننا ان نرى إمكانية دعم لبنان مع الصندوق النقد الدولي»، كاشفاً «اننا نتطلع الى فرض عقوبات على قوى سياسية داعمة لهذه الحكومة وهي قوى متحالفة مع حزب الله، وأشخاص شاركوا في قتل مئات الآلاف من السوريين في لبنان وسورية ونعمل على حزمة من العقوبات ونأمل أن يتم تنفيذ جزء منها قريباً».
سامي الجميل: يقال حقنا رصاصة!
قال النائب سامي الجميل في مداخلة له داخل الجلسة التشريعية: «نتعرض لحملة تشهير ويقال حقنا رصاصة، وهناك مجموعة تقوم بالتشهير بنا وبتهديدنا عبر التواصل الاجتماعي ودولة القانون لم تعد موجودة».
فردّ عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري: «مجلس النواب وأعضاء المجلس كرامتهم من كرامتي ومن كرامة المجلس ولا أحد يمكن أن يضبط مواقع التواصل الاجتماعي بدءاً من (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب إلى كل الدنيا».