إقرار خطة الإنقاذ الاقتصادي وبيروت تقترب من طلب مساعدة صندوق النقد
ألمانيا باغتتْ لبنان بحظْر «حزب الله»... فأي تداعياتٍ على حكومته؟
... خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء. هكذا تبدو حكومة الرئيس حسان دياب التي لا تكاد تعتقد أنها التقطتْ طرفَ «حبل النجاة» من الانهيار المالي المريع حتى تجد نفسها أسيرة قوة دفْعٍ عكسية، داخلية تشكّلها «الثورةُ - 2» المستعادة في الشارع الغاضب حتى العنف والذي يُخشى أن يكون تحوّل «حمّال أجندات»، وخارجية تتسلّل من «الخاصرة الرخوة» التي يمثّلها دور «حزب الله» كرافعةٍ أساسية للتشكيلة الوزارية التي تعكس انقلاب التوازنات السياسية في الواقع اللبناني الذي بدأ مع برلمان 2018.
فبينما كانت الحكومة تحْتفي بإقرارها أمس خطة الإنقاذ الاقتصادي في يومٍ وَصَفَه رئيسُ الجمهورية ميشال عون بأنه «تاريخي للبنان إذ للمرة الأولى تُقر خطة اقتصادية - مالية بعدما كاد عدم التخطيط وعدم استشراف المستقبل يوديان بالبلد الى الخراب»، سرعان ما وُضع هذا التطوّر في دائرة الاختبار من 3 زوايا:
* الأولى ردّ فعل الخارج على الخطة التي ستشكّل «خريطة الطريق» لطلب المساعدة الدولية للحصول على تمويل بـ 10 مليارات دولار حتى 2024 كما لبدء التفاوض مع الدائنين الأجانب بعدما أعلنت الدولة في مارس الماضي تعثّرها ووقف دفع استحقاقات سندات «اليوروبوندز»، وسط رصْدِ إذا كانت الحكومة ستتوجه إلى صندوق النقد لطلب الدخول في برنامجٍ تمويلي، علماً أن رئيسها أعلن بعيد جلسة مجلس الوزراء أن أحداً لم يرفض طلب مساعدة الصندوق.
وإذ كانت الحكومة قابلتْ بما يشبه «الاحتفالية» عودةَ العين الدولية على لبنان في اليومين الماضيين وخصوصاً عبر و«ديبلوماسية الهاتف» الفرنسية والتعميم لبنانياً أنها تأييداً لخطة الإصلاح وتمهيداً لعقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية، جاء قرار ألمانيا بحظر «حزب الله» على أراضيها وتصنيفه «منظمة إرهابية» وتالياً إنهاء التمييز بين جناحيه العسكري والسياسي ليطرح علامات استفهام حول تأثيراته المحتملة على مسار استدراج يد المساعدة الدولية لحكومةٍ يتم التعاطي معها خارجياً على أنها «حكومة حزب الله».
وما عزّز الخشية من تداعيات سياسية للقرار الألماني الذي قفزت عبره برلين فوق حضورها في قوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان (بنحو 130 جندياً كجزء من عناصر «يونيفيل» البحرية)، مسارعة واشنطن إلى الترحيب بالخطوة الألمانية داعية الاتحاد الاوروبي للقيام بالمثل، والأهمّ تسجيل أول إطلالة سعودية على الواقع اللبناني منذ تشكيل الحكومة الجديدة من بوابة قرار برلين عبر ترحيب الخارجية السعودية «بإعلان ألمانيا تصنيف مليشيا حزب الله منظمة إرهابية، وحظر كافة أنشطتها على أراضيها»، مؤكدة «أهمية هذه الخطوة في إطار جهود مكافحة الإرهاب إقليمياً ودولياً، مجددة التأكيد على المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ موقف مماثل لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتجنيب المنطقة والعالم شرور العمليات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار».
* الثانية ردّ فعل الشارع، الذي يستمر في «انتفاضة الجوع»، على خطة الإنقاذ التي تتضمن إجراءات ضريبية و«هيركات» مقنّعاً على طريقة الـ bail-in الاختياري وسواه وسط انطباعٍ بأن تأجيل السير بقرار التحرير الرسمي لسعر صرف الليرة أمام الدولار ابتداء من 2020 ليصبح 3500 ليرة وصولاً إلى 4279 في 2024 جاء في إطارٍ مزدوج، أوّله سحْب فتيل تفجيريّ شعبياً، وآخِره محاولة رمي «كرة النار» هذه في ملعب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في غمرة «المعركة» المفتوحة عليه، كما على القطاع المصرفي، من رئيس الحكومة علناً ومن «حزب الله» من الخلف، وهو ما عبّر عنه كلام دياب أمس من «أن تحرير سعر الصرف ليس عند الحكومة إنما في مصرف لبنان»، علماً أن هذا البند كان وارداً بوضوح في الخطة وسط تبايناتٍ حول تاريخ بدء التحرير المتدرّج حتّمت إرجاء الخطوة تفادياً أيضاً لاعتماد التصويت الذي كان سيُظهْر عدم إجماع الحكومة على خطتها.
* الزاوية الثالثة موقف خصوم الحكومة من الخطة التي تترافق مع مسارٍ موازٍ تحت عنوان مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة تتعاطى معه المعارضة على أنه من ضمن عملية «اقتصاصٍ» سياسي يُراد منها إكمال عملية قضْم التوازنات الداخلية. علماً انه في موازاة اعتبار الرئيسين عون ودياب أن الحكومة الحالية تقوم بـ «تنظيف» مخلّفات سياسات «وارتكابات الأعوام الثلاثين الماضية»، فإن رئيس الحكومة كان أعطى إشارات مباشرة أول من أمس برسْم خصومه ربْطاً بحركة التظاهرات والاحتجاجات، إذ قال: «ما يحصل غير بريء، فهناك من يريد الفوضى، ويسعى إليها لأنها تحميه، وهناك من لديه رغبة ان يجوع النّاس أكثر».
وفي حين جاء أول موقف دولي من خطة الحكومة عبر منسق الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي أعلن «لقد خطت الحكومة خطوة مهمة نحو الإصلاحات ومعالجة الأزمة المصيرية الراهنة عبر إقرار خطتها الإصلاحية، والآن على القوى السياسية والمجتمع المدني إبداء رأيهم بالخطة، ما يمهد الطريق للمفاوضات مع صندوق النقد وسائر الشركاء الدوليين»، بقيت الأنظار على الشارع «الملتهب» في ظل تَمدُّد حركة الغضب الذي ينزلق إلى أعمال عنفية ولا سيما في طرابلس وصيدا وسط تبادُل اتهامات باتت علنية بين الحكومة وخصومها باستخدام الأرض ميداناً لتصفية الحسابات ومحاولة قلْب الطاولة داخلياً.
وبينما كانت طرابلس تلملم أمس أضرار ليلة المواجهات العنيفة بين محتجين والجيش اللبناني الذي استخدم القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي مقابل استعمال قنابل «المولوتوف» والمفرقعات النارية والحجارة من المتظاهرين الذين نفذوا اعتداءات على المصارف ومرافق عامة وسط تقارير عن جرْح نحو 60 في صفوف المحتجّين، انضمّت عاصمة الجنوب صيدا إلى دائرة الرصد بعدما شهدت ليل الاربعاء أيضاً أعمال شغب وتعدٍّ على بنوك وفرع مصرف لبنان وصداماً مع الجيش الذي تم رميه بالـ مولوتوف والحجارة.
وإذ لفت بيان النائبة بهية الحريري التي اعتبرت إن «ما جرى في مدينتي صيدا وطرابلس ومناطق أخرى، من استهداف لمصارف وبعض المنشآت العامة والخاصة من بعض المجموعات المشبوهة المتخفّية زوراً بغطاء الانتفاضة الشعبية، يوحي بأن ثمة يداً واحدة مجهولة معلومة هي التي تحرك مثيري الشغب وتدفع بهم بين المتظاهرين السلميين لغايات باتت معروفة»، أعلن الجيش اللبناني أنه «نتيجة أعمال الشغب في طرابلس وصيدا أصيب 23 عسكريّاً بجروح مختلفة، أحدهم إصابته بالغة وقد بُترت أصابع يده. وأوقفت قوى الجيش 24 شخصاً بينهم سوريَان وفلسطينيان (...)».