إلى جانب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي خَلخَلتِ القيم والهياكل الأممية والمؤسسات المُجتمعيَّة، جاءتِ التداعياتُ السياسية لاستِكمال المشهد الذي خَلَقَهُ كورونا على العالم، ومنها الآتي:
1 - كَشَفَ هذا الوباءُ عن قوة أنظمة وهشاشة أخرى، حيث سقطت أوروبا وتحديداً الاتحاد الأوربي في اتخاذ تدابير تحفظ الأرواح والاقتصاد، الأمر الذي سَيُؤدي إلى إعادة هيكلة المُؤسسات في كلِّ بلد على حِدة، كما أنَّها فرصة غير مسبوقة للاستئثار بالسُّلطة السياسية، خصوصاً في الدول الفاشلة أو الأنظمة الشمولية، واتِّخاذ قرارات إستراتيجية تُعيد هيبة الدولة وتفرض الشكل العام للبلاد.
2 - سقوط دور المؤسسات العالمية خصوصاً الأنظمة الحمائية القديمة، التي أصبحت جزءاً من الماضي (منظمة الصحة العالمية ومجلس الأمن والمحكمة الدولية)، وسقوط دور مراكز الأبحاث الاستراتيجية المُتَّصلة بدوائر صنع القرار، والسوال الأهم المطروح:
أينَ كان دَورها في قراءة المشهد العالمي لهذا الوباء؟
وماذا استفادتِ الدول العُظمى من ثورة المعلومات؟ ويُفترض أنَّ لديها رصيداً من المعرفة المُسبقة لهذه التداعيات؟
وأينَ أجهزة تقييم الأخطار وعملها المُسبق؟
بل أينَ أموال الضرائب التي دَفَعَها الشعب من عَرَقِه و دَمه؟
وأينَ ذهبت القيم الغربية للإنسان؟
لماذا باعوا ملايين البشر بدور العجزة في سوق النخاسة؟
ولا يلوح في الأُفُق أيُّ حلٍّ قريب سوى إعادة بناء مفاهيم جديدة للعيش المشترك، يتولَّى صياغتها العقلاء في العالم، بعيداً عن عقول السياسيين أو العسكريين، وإعادة صياغة مفهوم حقوق الإنسان بعيداً عن الأجندات والمُحَاصَصة.
3 - سيادة ديبلوماسيّة الوباء؟
وعلاقة الدول ستقوم على الشُّكوك وعدم الثِّقة، فلم تعرف البشرية هذا الذعر على الرغم من مرور العديد من الأوبِئة الأخرى، مع تغيّر الواقع الجيوبولتيكي العالمي!
4 - انعدام الحراك السياسي، فالحكومات تمرُّ بأوقات عصيبة لتأمين السلامة العامَّة، والوقاية من المرض، ويتَّجه الشعور العام للناس نحو التضامن والتكافل، والوقوف صفَّاً واحداً، وأيّ صوت خارج هذا السَّرب يُعتبر نَشازاً، وعَمَلاً غير مقبولٍ وطنياً، ولهذا سَمِعنا المُطالبات الدولية بوقف جميع النزاعات في العالم، والتفرغ لهذا الوباء.
مع تلاشي الأحزاب القومية والعروبية والبعثية والناصرية فضلا عن الإسلام السياسي.
5 - انحسار القطاع الخاص وانكماش الاقتصاد، حيث توالت خسائر شركات الطيران حتى بلغت 24 مليار دولار مقارنة بشهر مارس، حيث كانت 7 مليارات فقط، وهي الآن في تصاعد مُستمر.
ولم يبقَ على قيد الحياة منها سوى شركات الطيران المَمْلوكة للحكومات، كما أعلن البنك الدولي إلى انخِفاض حادٍّ في التحويلات إلى البلدان المُنخفضة والمُتوسطة الدَّخل، لِتصلَ إلى 445 مليار دولار، ممَّا يُمثل خسارة في الموارد المالية الأساسية للأُسر الضعيفة، والتي تخضع لبرامج الرعاية الاجتماعية إن وُجِدت!
6 - إذا حكم الديموقراطيون فلن تتغير سياسة أميركا الخارجية مع ملاحظة تَدَنِّي شَعبية الرئيس الأميركي بسبب وفاة أكثر من خمسين ألفاً، مع تَقلّص اقتصادي بلغ 10 في المئة من الناتج المحلي، ولَعَلَّه الأقسى في التاريخ منذ عام 1929م، والانتخابات على الأبواب في نوفمبر المقبل!
ولَعلَّ مُؤشر انتشار الوباء في ولاية فلوريدا الجنوبية بسبب عدم تطبيق سياسة الحجر الصحي من الجمهوريين، خصوصاً بين طلبة الجامعات والمتقاعدين الطَّاعنين بالسنِّ في مأوى العَجزة، هكذا أظهرت استطلاعات سريعة للرأي، غضب العوامِّ على الجمهوريين إلى جانب الولايات الأخرى، مثل فلوريدا وبنسيلفانيا و ميشيغان، إلى جانب تَقَدُّم مُنافِسه الديموقراطي جوبايدن، كما أنَّ الرِّهان على محافظة ترامب على مجلس الشيوخ باتَ أمراً على المَحك، ما لم يُحافظ الجمهوريون على الغالبية، بحيث لو فازَ ترامب في ولاية ثانية سيصبح كما المثل الأميركي: «البطَّة العرجاء»، ولكنَّ المُتَّفق عليه أميركيَّاً - والاجماع انعقد - على أنَّ المواطن الأميركي لا يَهتمُّ كثيراً فيمن سيحكم أميركا، لِقناعة الأميركيين بأنَّ السياسيين طينتُهم واحدة أينما وُجدوا، والأهمُّ من ذلك كلّه هو بالنسبة للمواطن الأميركي ما يُسمّى بـ(business rates-tax rates)، هذا فقط ما يدخل في محور اهتمام المواطن وهو كما ترون لا يهتم بتداعيات كورونا؟
الخلاصة:
علمتنا كورونا بأننا يمكن أن نُحقق الكثير بعد الاستعانة بالله، واستعادة الثقة بأنفسنا وإعطاء أهل الاختصاص دورهم مع كبح جماح أجندات السياسيين والمتاجرين بالوطنية.