في الوقت الذي يغرق فيه وزير الصحة الدكتور باسل الصباح وفّقه الله في إجراءاته الاحترازية والصحية لمعالجة المرضى وعزل المشتبه بإصابتهم ومنع التفشي الوبائي في البلاد بشكل يُنذر بسقوط المنظومة الصحية على غرار ما حدث في دول أخرى، يجب على مجلس الوزراء ألّا يتأخر في معالجة الآثار الناجمة عن قراراته التي التزم بها الجميع وأدت إلى اهتزاز الأوضاع المعيشية والاستقرار الوظيفي وانهيار المشروعات الصغيرة، سواء تلك المدعومة من الدولة أو تلك التي أنشأها مواطنون من حر مالهم أو عبر قروض من البنوك، إضافة إلى ترنح عدد من المشروعات المتوسطة والكبيرة التي باتت على شفا الانهيار.
ليس المطلوب بالضرورة تعويض الجميع نقداً كما قد يفهم البعض، لكن من الضروري وضع أسس جديدة للتفاهمات تكون ملزمة للجميع، ولا يجب ترك الأمور على عواهنها تتفاقم شيئاً فشيئاً حتى تتحوّل جائحة عملاقة بآثارها القانونية والمالية وتوابعها الاجتماعية، فتتعافى البلاد من الفيروس ولا تتعافى من آثاره.
ما نمرُّ فيه اليوم حدث استثنائي، ويتطلّب علاجه اتخاذ قرارات استثنائية وغير عادية وملزمة لكل الأطراف.
وإذا كان الجميع (عدا موظفي الحكومة) يخسرون فلا بأس من وضع أُسس تنظّم علاقة كل الخاسرين ببعضهم البعض، ولا نترك الأمور إلى الاجتهاد الشخصي أو التفضل وعدم التفضل باتخاذ بعض القرارات التخفيفية من ذوي الصلة.
ولنتساءل: كيف سيعالج أصحاب الأعمال التي توقّفت قسراً بحكم قرار الإغلاق - وهو قوة قاهرة - أوضاع عمالتهم ومستحقاتها؟ كيف يدفعون لهم المتأخرات؟ وكيف يدفعون نهايات الخدمة إن قرّروا إنهاء علاقتهم الوظيفية بهم؟ فهل يترك الأمر اجتهادياً ؟ بالطبع لا! وهل يطبّق القانون المعتاد؟ أيضاً بالطبع لا، وذلك لاستحالة التطبيق والانهيارات المالية المتتابعة لذوي المصالح والأعمال الذين توقّفت أعمالهم إلزامياً.
والأمر ذاته ينطبق على علاقة المستأجر بالمؤجر! فهناك مَن تنازل عن إيجار شهر وهناك مَن تنازل عن إيجار شهرين، وهناك مَن رفض إجراء أي تنازل، وهناك مَن قرّر إجراء تخفيض على الإيجار.
الإيجارات بطبيعتها مختلفة أصلاً، فهناك إيجار سكني سواء فلل أو شقق أو أدوار من فلل.
وهناك إيجارات تجارية، ونوعيات مختلفة من الأعمال، هناك إيجارات من صاحب عقار متعاقد مع الدولة ولا يمتلكه، وهناك إيجارات من صاحب عقار يمتلكه ملكية كاملة.
وصاحب العقار نفسه ربما يكون مكبّلاً بالديون مع البنوك التي موّلت شراءه للعقار، وربما لا يكون مكبّلاً بالديون والالتزامات.
وهناك القروض الشخصية والالتزامات بمختلف أنواعها التي تتأثر عملية الالتزام بها كثيراً بتذبذب دخول العاملين ما بين انقطاع كامل أو انقطاع جزئي في الأجور، وما بين فقدٍ كامل للعمل أو فقدٍ مرحلي جزئي، وما بين فقدان كامل للمستحقات وفقدان جزئي.
هذا كله لا يجب أن يترك وكأن شيئاً لا يحدث، وهذا كله لا يجب أن يترك للقانون المعتاد لأنه لم يعد مجدياً، فهنا تطبيق القانون بحذافيره ربما يؤدي إلى الفوضى في علاقة الطرفين المتعاقدين وليس تنظيم العلاقة بينهما.
تاريخياً، وبعد انقشاع غُمّة الغزو العراقي عن الكويت، كانت هناك تشابكات كثيرة ووضعت لها حلول واضحة مربوطة بمدى زمني واضح وتنهي كل تلك (الشرابيك) بين مختلف الأطراف، وأنهيت تلك الأمور المعلقة وعادت العافية إلى البلاد.
الآن، الكويت ليست بلا حكومة كما كان في تلك المرحلة ولا يجب ترك الأزمات لتتفاقم، بل يجب أن تكون هناك قرارات واضحة وملزمة وذات مدى زمني محدد لتنظيم العلاقة الناجمة عن هذه الفترة... رأفة بالجميع.
المسؤولية كبيرة... نعم، والمهمة صعبة... نعم، ولكنها لا تحتمل أي «فذلكة» أو تنطع، بل تحتاج إلى حلول عاجلة صارمة وعملية وقابلة للتطبيق. فهل تفعل الحكومة؟