الابتلاء الإلهي لنا في هذه الحياة يقضي بعدم تطابق مصالحنا مع مبادئنا دائماً، ليرى الله - سبحانه وتعالى - كيف نتصرف وعلى أيهما نضغط في حالات الشدائد والمكاره. لأن الأصل في حياة الناس أن يكون هناك انسجام بين مبادئهم ومصالحهم، وتكون مهمة الثقافة والمجتمع تأسيس المعايير والنظم التي تساعد على تحقيق مصالح الأفراد، وتلبية رغباتهم وطموحاتهم، على هدي المبادئ العامة التي تمثل العمود الفقري للعقيدة الاجتماعية.
ويحدث الوهن الاجتماعي حين يشعر الناس أنه لا يمكن لهم أن يحققوا مصالحهم المشروعة من خلال العقيدة الاجتماعية السائدة والنظم المعمول بها، فيصيرون إلى تحقيقها بطريقتهم الخاصة. والقلة من أبناء المجتمع يكافحون من أجل إحياء فاعلية النظم، والبرهنة على أنه يمكن تحقيق الرغبات والطموحات المشروعة من خلال النظام، لكن الثمن سيكون الشعور بخيبة الأمل، كما هو حاصل اليوم أمام أزمة فيروس كورونا، حيث يمتلكهم الشعور بأن الأكثرية على خطأ، ويشعرون بأنهم يقدمون التضحيات الجسام إلى مجتمع لا يستحقها.
في الحقيقة أنه لم يحدث أن شعر جميع أفراد مجتمع بأن مصالحهم متطابقة دائماً مع مبادئهم، ويمكن الوصول إليها بشكل مستمر، فلا بد من وجود أفراد يشعرون باستحالة تحقيق وجودهم العام من خلال الخروج على النظام، أو هكذا لسان حالهم. ولكن المهم هو النسبة، فالمجتمع المعافى يشعر السواد الأعظم من أبنائه بالانسجام بين المبادئ والنظم والمصالح، وهو بتلك الكتلة الضخمة يستطيع تحجيم الشواذ والمنحرفين ومرضى النفوس والخارجين على النظم، كما أنه يستطيع تحمل الإفرازات السلبية لسلوكياتهم. لكن الطامة الكبرى حين يرتب الواقع الاجتماعي العقوبات والخسائر وتفويت المصالح على كل من يلتزم بقيم المجتمع ومثله، ويأتي البيوت من أبوابها المشروعة. وأظن أن عدداً غير قليل من مجتمعاتنا الإنسانية قد وصل إلى حافة هذه الحالة، وإن لم يكن غاص في لجتها.