الحذر ثم الحذر ثم الحذر ... يا سمو الرئيس

تصغير
تكبير
أزمة تلد أخرى، واحدة تطيح بالمجلس وثانية تغير الحكومة. تعودت الكويت على الأزمات حتى صارت قدرا في العقود الاخيرة... تقوى وتخف وتتجمد وتسخن وأحيانا تأتي مرة واحدة كأنها اعصار.
اليوم، التشكيل الحكومي في مراحله الاخيرة بعدما خفت قليلا صوت الأزمة السياسية، لكن صوت الازمة الاقتصادية ما زال مرتفعا وأكبر من كل التوقعات، ويخطئ كثيرا من يظن ان الأسوأ اقتصاديا مرّ على الكويت مع نهايات 2008 وان المرحلة مرحلة تعافٍ ونهوض، فالأسوأ ما زال في طريقه إلينا... والتقصير في التوقع والاستعداد جريمة حقيقية في حق الكويت والكويتيين.
شهدنا، وقد نشهد، تعثرا ماليا كبيرا لأفراد وشركات تصل إلى حد الافلاس والانهيارات فهذا حصل في الدول المتقدمة قبل الدول النامية... هذا هو الجانب السيئ من الأزمة. الأسوأ أن يوصل القصور الحكومي وتخلف الإدارة وسوء التخطيط الامور إلى مرحلة افلاس الدولة والمؤسسات، فتتعثر التأمينات الاجتماعية لا سمح الله ويقفل قطاع التوظيف ابوابه امام الكويتيين في القطاعين العام والخاص وتأكل الخسائر الخارجية (وقسم كبير منها ما زال غير معلن) اجزاء من صندوق الاجيال... باختصار، الأسوأ هو أن يضيع البلد.

اليوم تشكل يا سمو الرئيس حكومتك الخامسة في ظل وجود الكويت بين منطقتي السيئ والأسوأ اقتصاديا. في السابق، كانت الحكومات تولد بما يعرف بأنه «افضل الممكن» وتنتهي على اساس ان «الأفضل ممكن» ثم يتضح من الاداء ان الممكن الوحيد هو التراجع والتخبط في القرار وتعطيل المشاريع. كانت الامور تدار بالصفقات والمحاصصة وترضية الخواطر وحسابات التأييد والمعارضة والربح والخسارة، وكانت هذه الإدارة من الأسباب الرئيسية لغياب الرؤية السليمة في العمل الحكومي والتعاون الجدي مع السلطة التشريعية... لكن الوضع اليوم يختلف كثيرا لأن الازمة لم تعد سياسية بل هي اقتصادية اجتماعية حياتية تهم جميع الكويتيين وتدق ناقوس الخطر في مجالات الرزق والعمل والانتاج والتنمية.
لماذا نركز على هذا الخطر؟ لأن أنباء كثيرة تسربت في اليومين الماضيين مفادها ان الحكومة المقبلة تتشكل على أساس الخضوع لتيارات وأحزاب سياسية معينة ضمن صفقة تضمن معها وجود عدد لا بأس به من النواب المؤيدين مستقبلا. ومكمن الخطورة أن الجانب المظلم من الصفقة والذي لا يعلم به سمو الرئيس (إذ لو كان يعلم فتلك مصيبة حقيقية) يكمن في أن رموزا في هذه الاحزاب والتيارات متورطة حتى العظم في اللعبة الاقتصادية وأصابها ما أصاب شركاتها من انتكاسات مالية وهمها الاساسي اليوم هو ترميم مصالحها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق تهيئة الاجواء سياسيا وتشريعيا وقانونيا للاستفادة من المال العام والانفاق العام، أما المعبر الاسرع لذلك فهو أن تبيع هذه الاحزاب والتيارات في السياسة وتشتري في الاقتصاد... راقبوا فقط بعض اقتراحات الانقاذ المالي في الايام القليلة الماضية لتعرفوا ما هي الجهات التي ستكون الاكثر استفادة منها.
كان الجميع يتوقعون أن يكون عنوان حكومتكم الجديدة يا سمو الرئيس «إنقاذ الاقتصاد الكويتي» لا توجيه الانفاق العام لانقاذ بعض الواجهات الاقتصادية لتيارات سياسية معينة. وكان الجميع يتوقعون تشكيلة حكومية مختلفة ترتكز على الكفاءات الاقتصادية لمواجهة الازمة لا على المحاصصة السياسية لعقد صفقات تقضي على ما بقي من صمود في الاقتصاد الكويتي.
لم تعد سرا نوعية التحالفات التي تنسج والاتفاقات التي تبرم، بل لم يعد سرا الشكل العام للتشكيلة الجديدة، ومع ذلك نوجه اليكم يا سمو الرئيس تحذيرات صادقة من الاجندات الاقتصادية المصلحية الخفية لمن يمدون اليد في السياسة ويعطون الوعود بينما يدهم الأخرى تنتظر مشاريع القوانين المالية المفصلة اساسا على قياس مصالحهم. فالوقت لم يفت بعد والحكومة امامها اولويات والاولوية للانقاذ الاقتصادي والكفاءات الاقتصادية موجودة.
سمو الرئيس، تعودت الكويت على الازمات حتى صارت قدرا في العقود الاخيرة، لكن الاستسلام للعبة السياسية السائدة ليس قدرا بل خيار بيدكم أنتم اعتماده أو تغييره. بعض من تتفقون معه اليوم يشيع في محيطه أن حكومتكم الخامسة ستكون الاخيرة لكم وانه لذلك سيتعاون مرحليا ليتمكن من تحصيل ما يمكن تحصيله من مكاسب مالية واقتصادية وسياسية لتياره وحزبه. ونحن الذين نكن لكم كل الود والمحبة والتقدير والاعجاب بنهجكم الاصلاحي لا نتمنى ان تكون الخامسة هي الاخيرة لكم بل نتمنى استقرارا وثباتا وتعاونا طويل المدى لمصلحة البلد وأهله... ومع ذلك فإن نجاح «المتسللين» إلى حكومتكم في افشال المهمة وتوجيه مسيرة التشكيلة الخامسة كما يريدون سيكون فشلا ليس لكم وحدكم يا سمو الرئيس بل للنظام السياسي برمته.
الوقت ما زال متاحا لكم للتفكير والتقرير والتغيير يا سمو الرئيس.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي