المالية تعلن وقف دفْع جميع السندات الدولية بقيمة نحو 31 مليار دولار
لبنان يُصارِع في قلْب «ماتريوشكا الأزمات»
... أزمةٌ داخل أزمة في داخلها أزمة وهكذا دواليك. هذا هو حال لبنان الذي يبدو هذه الأيام أمام «ماتريوشكا» أزماتٍ لن يكون ما بعدها كما قبْلها في... «بلاد ما بين الصدمات».
فمن غزوة فيروس كورونا المستجد، الشرس الذي يجرْجر أرقامَه المعلَنة كما المستورة، إلى المأزق المالي الداخلي بتشعباته المصرفية والنقدية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والصحية، وليس انتهاءً بالبُعد الخارجي لحال الانهيار المالي الذي عبّر عنه التعثّر في سداد استحقاقات «اليوروبوندز» ابتداءً من إصدار 9 مارس، يكتمل «قوس الأزمات» التي تكاد أن تشكل حلقة حديد مقفلة بفعل الوطأة الثقيلة للتزامُن السوريالي بين هذه المخاطر المصيرية.
وبينما كان «كورونا» يحصد 256 إصابة مثبتة، أطلّ من خلف شبه «الإقامة الجبرية» المفروضة على اللبنانيين تحت عنوان «حظر التجول الذاتي» لمحاولة ترويض الفيروس - الشبح، تَطَوُّرٌ بارز تَمثّل في إعلان لبنان الـ CROSS DEFAULT الذاتي مع تأكيد وزارة المال أمس توقف الدولة عن دفْع كل سندات «اليوروبوندز» البالغة قيمتها نحو 31 مليار دولار موزّعة على 29 إصداراً حتى 2037، وذلك عشية استكمال مجلس الوزراء اليوم بحث مشروع القانون المعجّل الرامي إلى تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية («كابيتال كونترول») والذي تَحوّل «حقل ألغام» تتداخل فيه السياسة بالمال.
وتَقاسَم العنوانان «الكورونيّ» والمالي المشهد الداخلي كالآتي:
* كشْف وزارة الصحة أن عدد المصابين بات 256 مع وجود 11 حالة تنتظر تأكيد النتيجة الايجابية، وسط خشية من أن يكون انخفاض معدّل الإصابات ليوم واحد على طريقة «استراحة بين عاصفتين» رغم ارتفاع نسبة الالتزام بالحدّ من التجوّل والاختلاط بفعل الانتقال إلى التطبيق الزاجر لقرار التعبئة العامة من ضمن حال طوارىء «ممنوعة من الإعلان».
وفي هذا الإطار ازدادت تحذيرات خبراء من أن يكون الرقم المثبت في لبنان يشكّل نحو 30 في المئة من المصابين الفعليين «غير المرئيين»، إما لعدم علْمهم بأنهم من حاملي الفيروس، وهذا مردّه إلى النقص الكبير في إمكانات إخضاع عدد كافٍ من اللبنانيين لفحص «كورونا» من ضمن عملية استكشاف واسعة، وإما لوجود أشخاص من «مكتومي الإصابة» يعمدون إلى التستر على وقوعهم فريسة الفيروس، وهو ما قد يتسبّب في الأيام المقبلة بمفاجآت غير سارة ستكون على طريقة «الإنزال» خلف الخطوط الحمائية التي بوشر تطبيقها يوم السبت.
وإذ كانت قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان تعلن تسجيل أول إصابة «لجندي حفظ سلام وقد تمّ عزله بشكل كامل» من دون تحديد جنسيته، ومع الاكتفاء بالإشارة إلى أنه «كان عاد من إجازة»، استمرّ الجيش والقوى الأمنية والبلديات في فرْض تطبيق منْع التجوّل غير المعلن وتسطير محاضر بحقّ المخالفين، وسط بروز أكثر من «خاصرة رخوة» في أحياء شعبية ( في مناطق شمالية مثل طرابلس)، في مقابل تسجيل مَظاهر تشدُّد واضحة في مناطق عدة عمدت بلدياتها لاتخاذ إجراءات على مداخلها لفحص حرارة الأشخاص داخل السيارات بهدف التأكد من سلامتهم وعدم السماح لأي كان من خارج نطاقها من الدخول إليها، وصولاً إلى فرْض حظْر التجول من السابعة مساء ولغاية السابعة صباحاً.
وكان بارزاً في الإطار نفسه، التطور النوعي الذي شكّله إعلان النائب ميشال معوّض أنه «بعد تَزايُد أعداد الإصابات بكورونا في زغرتا الزاوية وبعد التشاور مع نواب المنطقة وفاعلياتها اتخذنا القرار بضرورة التشدد في تطبيق الإقفال الشامل (Lockdown) لقضاء زغرتا».
* إعلان وزارة المال، في غمرة حبْس الأنفاس الذي كان سائداً حيال مسار التفاوض الذي لم ينطلق بعد رسمياً مع الدائنين الأجانب من حملة «يوروبوندز» 9 مارس، سريان استحقاق كل إصدارات اليوروبوندز للدولة اللبنانية بما يعني إزالة أي لبس حول دخول «بلاد الأرز» مرحلة إعادة هيكلة الدين بشموليته ومن دون ان تتضح تأثيرات هذا التطور على المفاوضات الشائكة مع الدائنين.
وقد أوضحت وزارة المال في بيانٍ أن قرار تعليق دفْع سندات الـ 1.2 مليار دولار المستحقّة في 9 مارس كان «من أجل حماية الاحتياطي من العملات الأجنبية»وتعزيزاً لهذا الهدف قررت الحكومة التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار الأميركي، وهي ستتخذ كل الإجراءات التي تعتبرها ضرورية لإدارة احتياطي لبنان المحدود من العملات الأجنبية«، ومؤكدة أن الحكومة»لا تزال ملتزمة المبادرة الخاصة بالإصلاح الاقتصادي الرامية لاعادة الاستدامة الى المالية العامة من خلال إعادة هيكلة الدين العام«، وكاشفة أن الحكومة تعتزم»إجراء محادثات حسن نية مع دائنيها في أقرب وقت«.
وعلى وقْع تَشابُك الانهيار المالي مع»11 سبتمبر الصحي«، لاحت»بقعة ضوء«مع تعميم أصدره مصرف لبنان في محاولةٍ لتوفير»جرعة صمود«ولو لثلاثة أشهر (مارس وابريل ومايو) للأشخاص والمؤسسات والشركات الواقعة تحت عبء قروض للمصارف وغير القادرة على الوفاء بالتزامتها لموظفيها (رواتب).
وبحسب هذا التعميم فإن»على المصارف والمؤسسات المالية العاملية في لبنان ان تمنح، على مسؤوليتها قروضاً استثنائية بالليرة اللبنانية او بالدولار لعملائها الذين يستفيدون من قروض بأنواعها ممنوحة سابقاً والذين لا يستطيعون تسديد مستحقاتهم لثلاثة أشهر بسبب الاوضاع الراهنة، وذلك شرط ان تكون القروض الاستثنائية ممنوحة لتسديد اقساط القروض الممنوحة سابقاً والتي تستحق في مارس وابريل ومايو ودفْع رواتب الموظفين لدى العملاء المعنيين او تغطية حاجات انتاجية او تشغيلية خلال الفترة المشار إليها أعلاه، على أن تكون هذه القروض بفائدة صفر في المئة وأن يتم تسديد هذه القروض خلال مدة خمس سنوات«، موضحاً أن»مصرف لبنان سيقوم بمنح المصارف والمؤسسات المالية المعنية تسليفات بالدولار الاميركي بفائدة صفر في المئة لمدة خمس سنوات بقيمة هذه القروض الاستثنائية«.
وأوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة»أن الهدف من تعميم هو مساعدة اللبنانيين خلال المرحلة الصعبة وحتى لا تضطر المؤسسات إلى إقفال أبوابها والاستغناء عن موظفيها، وما نبتغيه أن تتمكن المؤسسات من دفع رواتب الموظفين وسداد ديونها كما مساعدة كل مَن لديهم قروض مدعومة مثل السكن أو الصناعيين أو غيرهم على تأجيل ديونهم المستحقة خلال الـ3 أشهر المقبلة من خلال تقسيطها لخمس سنوات مع فائدة صفر".