ضوضاء السقوط المالي في لبنان تطغى على «الحروب الصغيرة»
لا صوت في لبنان يعلو فوق صوت محاولاتِ النجاح في توفير مستلزمات «الهبوط الاضطراري» المالي - الاقتصادي ووقْف مسارِ السقوطِ بلا أيّ «أحزمةِ أمانٍ» تُساعِدُ في امتصاص صدمة الاصطدام بالقعر الذي لم يصبح بعد في مرمى العيْن.
وشكّلتْ الذكرى 15 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري التي أحياها «تيار المستقبل»، الجمعة، المؤشر الأبرز إلى هذا الواقع الذي باتت معه «أجراسُ الإنذار» المالية أقوى صدى من «الحروب الصغيرة» السياسية على أهمية دلالاتها وتداعياتها المتعددة البُعد.
ذلك أن عودة «المتاريس» رسمياً إلى العلاقة بين الحريري وفريق الرئيس ميشال عون ولا سيما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والتي عبّر عنها إعلانُ زعيم «المستقبل» في ذكرى 14 فبراير 2005، أنّ تسوية 2016 التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي وأعادتْ الحريري إلى رئاسة الحكومة «أصبحت من الماضي وفي ذمة التاريخ»، لم تحرف الأنظارَ عن تَدَحْرُج «كرة النار» المالية ومساعي الحكومة للتحكّم أقلّه بـ «عصْفها» فلا تكون حارقةً لـ «كل الهيكل» الذي يترنّح تحت وطأة عبء الدين العام وأزمة شاملة غير مسبوقة مصرفية ونقدية واقتصادية واجتماعية وفي السيولة بالدولار.
وفيما كانت المقارباتُ لإطلالة الحريري من دارته (بيت الوسط) على يوم 14 فبراير 2005 تراوح بين اعتبار أنها وفّرتْ له استعادةَ «نقاطٍ ثمينة» كان خسرها في الأعوام الثلاثة الماضية من رصيده الشعبي والسياسي الداخلي والعربي بفعل الملاحظاتِ على كيفية إدارته التسوية وتراجعاته أمام مَن وصفه بأنه «رئيس الظلّ» (باسيل)، وبين التوقّف عند أنها كانت «مجتزأةً» في تحديد مجمل مَكامن الاختلال في الواقع اللبناني لأنها حيّدتْ «حزب الله» الذي يُعتبر المُمْسكَ الفعلي بمَفاصل «التحكم والسيطرة»، فإنّ التشظياتِ السياسيةَ لقطْع «آخر خيْطٍ» في العلاقة مع عهد عون بدا أنّها لن تكون من النوع الذي يبدّل في مساراتٍ تمْضي على طريقة «ما كُتب قد كُتب» على مستوى لعبة السلطة وتحولاتها التي ظهّرتْها حكومة الرئيس حسان دياب.
ذلك أن الحريري نفسه، وعلى الرمزية الكبيرة التي شكّلها دخولُه على الحشود الشعبية في «بيت الوسط» جنْباً إلى جنب مع مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الذي كان استقبل قبل أربعة أيام، دياب، بدا ملتزماً منْح فرصةٍ للحكومة الوليدة، بقوله «إن الحكومة ستعمل، وكل عمل إصلاحي سننظر إليه بإيجابية والأيام آتية»، في حين تَرَكَ الحضور غير المكتمل لحزب «القوات اللبنانية» للمناسبة، علاماتِ استفهامٍ حول إذا كان إشارةً مبكّرة إلى عدم استعداده للاصطفاف بأي جبهةٍ ضدّ العهد تضمّ «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين تلتقي معهما «القوات» على مطلب الانتخابات النيابية المبكرة الذي تطرحه ثورة 17 أكتوبر ولكن من دون توافق على القانون الذي يُفترض أن تجري على أساسه.
وكان الحريري الذي حرص على تحويل ذكرى اغتيال والده مناسبةً لـ «جردة حساب» دفاعية هجومية ضدّ مَن اعتبر أنهم ما زالوا يلاحقون الحريري الأب «المطلوب رأسه من جديد (...) لتحميله مسؤولية التدهور الاقتصادي والدين العام»، أفرد حيزاً واسعاً في كلمته أمام حشد من السفراء العرب والأجانب، للحديث عن مسلسل التعطيل وسياقِ الاستهدافات التي طاولت حكومات الرئيس الشهيد كما مرحلة ما بعد اغتياله مركّزاً على أزمة الكهرباء التي لم تكن مرّةً في عهدة وزراء من خارج عباءة الرئيس إميل لحود ثم فريق عون، قبل أن يتناول تسوية 2016 وسياسات العهد وباسيل «الإلغائية» فـ «ساعة تريد إلغاء الاشتراكي وساعة القوات اللبنانية والآن تريد إلغاء الحريرية وتيار المستقبل»، مضيفاً انه كان مطلوباً منه دائماً أن يؤمّن علاقته «برئيس الظلّ ليحمي الاستقرار مع الرئيس الأصلي»، ومتوجّهاً إلى باسيل من دون تسميته «الآن طيّرتَ نصف العهد بالتعطيل وحروب الإلغاء وخربتَ العهد وسجّلتَ انهيار البلد على اسمك واسم العهد... برافو».
وإذ لم يتأخّر ردّ باسيل الذي أعلن «شو ما انت عملت وقلت ما رح تقدر تطالني، وكيف ما أنا كنت ما رح أقبل كون متلك... بتفرّقنا بعض القيم والمبادئ، بس رح يرجع يجمعنا التفاهم الوطني... رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق انو طريق الرجعة رح تكون أطول وأصعب عليك»، فإنّ أوساطاً سياسية ترى أن الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلةً برصْد التداعيات السياسية للمرحلة الجديدة التي دشّنها الحريري في مساره تحت عنوان «رفيق الحريري مبلّش من أول وجديد».
وفي حين تتجه الأنظار اليوم إلى كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فإن الأسبوع الطالع سيحافظ على أولوياته على الصعيد المالي، مع بدء العدّ العكسي الذي حدّدته الحكومة (نهاية فبراير) لحسْم الموقف من سداد استحقاق «اليوروبوندز» في 9 مارس المقبل أو عدم الدفع أو الدخول بمفاوضات لإعادة جدولة التسديد، مع ما سيرتّب على ذلك من ارتداداتٍ على صعيد سمعة لبنان في الأسواق العالمية أو التفريط باحتياطات مصرف لبنان الاستراتيجية أو التبعات القانونية لأي تخلّف، وذلك على وقع تقارير فرنسية حذّرت من أن عدم الالتزام بالدفع سيجعل الدائنين يطالبون بكامل مستحقاتهم إضافة إلى الفوائد المرتفعة، محذّرة من تجارب سابقة عمدت معها مجموعة من المحامين الدوليين يُطلق عليهم اسم «طير القمام» الى «الهجوم» على الدولة التي تعلن إفلاسها والتي تصبح أشبه بالجثة من خلال شراء سنداتها بأسعار زهيدة، ثم يطالبونها بوجوب دفعها أو يتم حجز ممتلكاتها من احتياطات العملات الأجنبية والذهب في نيويورك، إضافة الى إمكان حجز أي باخرة تحمل بضائع إلى لبنان.