وعد... الفستان!

تصغير
تكبير

ربح فيلم «إلى سما» للمُخْرِجة وعد الخطيب ملايين الأوسكارات على هامش المسابقة العالمية السنوية، رغم أنه لم يَفُزْ بأيٍّ من جوائز «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» في هوليوود. كان فستان وعد وعداً لملايين الحالمين بالحرية والعدالة والديموقراطية، احتلّت العباراتُ المنقوشة على قماشه عيونَ المشاهدين وتكفّلتْ وسائلُ الإعلام بترْجمتها من العربية إلى مختلف اللغات: «تجرّأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة».
بعد يومين من ارتكاب النظام السوري مجزرة جديدة في سراقب، لم يَسْلَمْ منها لا البشر ولا الحجر ولا القبر، تردّ إنسانة سورية على رأس النظام وكل مَن تشفى بضحاياه بالقول إن السوريين لن يندموا على الكرامة. ولميليشيات المُمانَعَةِ المتعددة اللون التي تباهتْ بتعذيب الناس وهي تصرخ: «بدكن حرية يا اولاد القـ...؟ ولك كيف تجرأتو»، تكتب وعد على فستانها: «تجرّأنا على الحلم».
بإظهارها إرادة السوريين المتجرئة على الحلم والساعية إلى الكرامة بلا نَدَمٍ مهما كانت التضحيات والأثمان، تفوز وعد الخطيب بجائزة «أشرف إنسان»، فيما يفوز قائد «لواء القدس» بجائزة أسوأ مُخْرِج، وقادة «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» وكل حركات التطرف التي خرجتْ من السجن إلى «الإمارة» بجوائز أفضل مُخْرِجين مُساعِدين، ورأس النظام السوري بجائزة أفشل كومبارس، ومسؤولو الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية بجوائز أفظع ممثّلين، كما يفوز الرئيس القريب من سورية جغرافياً بجائزة «أتْعس مُقاوِل»، والرئيس البعيد بجائزة «أسوأ صاحب مختبر» والرئيس الأبْعد بجائزة... «أفضل متفرّج».


تُساهِمُ وعد الخطيب التي أخرجت الفيلمَ بسلاحِ الفن في معركةِ استعادة كرامة الناس، لكنها تعلم أن رسالتها شيء والواقعية شيء آخَر. تعلم أن دمعةَ كاثرين، دوقة كامبريدج، التي ذرفتْها لدى مشاهدتها الفيلم في بريطانيا إضافةٌ إنسانيةٌ لا سياسية، وأن عشرات الجوائز التي حصدها الفيلم عالمياً لم ولن توقف جريمةً واحدةً يرتكبها النظامُ وحلفاؤه على مسرح الإبادة... ومع ذلك تملك هذه المُخْرِجَة من الإرادة ما يجعلها مقاوِمةً حقيقية في ضمائر مجتمعاتٍ ترى في «سما» الطفلة السورية نموذجاً لكوابيس لا يريدونها لأطفالهم.
عندما فاز فيلم «الخوذ البيض» عام 2016 بأوسكار «أفضل وثائقي» كرّس بشار الأسد غالبية ما بقي من إعلامه وإعلام حلفائه للقول إن متطوّعي الخوذ للدفاع المدني في سورية هم من جماعة «النصرة»، وهاجم شخصياً في مقابلتين مع وسيلتيْن أوروبيتيْن «الغربَ الذي يدعم التطرف من أبواب السينما». يومها قيل الكثير في ردّ فعل الأسد، أهمّه أنه يرفض طبيعياً وآلياً أي إبهارٍ عالمي لسورية يتجاوزه، فهو الوطن والحاضر والماضي والمستقبل والتاريخ والجغرافيا، كما أن كل مُنْقِذٍ للناس من غاراتِ البراميل شريكٌ في «التمرّد»، وطالما أن لا ثورة في سورية بل «نظام شرعي مُنْتَخَبٌ يُحارِبُ جماعاتٍ إرهابيةً» فكل فيلم يتحدّث غير ذلك هو جزء من المؤامرة الكونية.
ماذا سيقول النظام السوري عن وعد الخطيب اليوم؟ «داعشية في هوليوود»؟ ماذا عساه يلفّق تهماً وهو يرى التوثيق الحيّ لإنسانة شهدتْ جرائمَ حربٍ حقيقيةً وكشفتْ أن ما عرضتْه في فيلمها لا يشكل سوى 10 في المئة من المَشاهد الموثّقة وخصوصاً ما يتعلق بقصف المستشفيات وقتْل الكوادر الطبية، وكلّها ستقدّمها إلى محكمة العدل أو منظّمات دولية لملاحقة مُرْتَكِبي الإبادة.
«كل يوم ننجو فيه من الموت بمثابة ولادة جديدة لنا»، تقول وعد عن معاناتها خلال تصوير يوميات الثورة عبر يوميات طفلتها. كانت المعاناة تلد الإرادة في أسوأ الظروف وأقساها... يدُها البيضاء خلف الهاتف النقّال تنتصر على أيادي الجريمة السوداء، وفستانُها «الفاتح» الذي كتبت عباراته بلون الورد يحصد ملايين الأوسكارات ويعيد فتْح النوافذ على الأمل بسورية جديدة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي