قضية

المتربصون بالجوائز الأدبية... أضاعوا طريق الإبداع الحقيقي

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0627u0644u0631u0627u062du0644 u062du0645u064au062f u062eu0632u0639u0644
من أعمال الفنان الراحل حميد خزعل
تصغير
تكبير

يتعيّن علينا التأكيد على أن الجوائز الأدبية منذ أن فكر الإنسان في منحها للأدباء، وهي تلعب دورها المهم في مسائل تتعلق بالتشجيع والمنافسة، وحتى الدعم إن كانت تلك الجوائز على هيئة هبات أو منح مادية، تُعطى للأديب من قبل المقتدرين مادياً أو الملوك أو السلاطين أو الأمراء.
ومن خلال هذه الأهمية اشتعلت المنافسة بين الأدباء لنيل الجوائز، من خلال التركيز في المادة الإبداعية المقدمة، والحرص على التوهج والتميز، والانتشار من خلال الإتيان بكل ما هو مغاير وجديد، يستطيع أن يخترق المشاعر ويستولي على الألباب، ويحظى بأهمية عظمى في الوجدان الإنساني، خصوصاً الشعر الذي لعب دوراً ملحوظاً في هذه المسألة، وكانت له جولاته المشهودة خلال حقب زمنية غابرة. في هذه الحقب لم تكن للمحاباة أو المحسوبية أي دور في شهر الأديب، لأن المعني بالمحتوى الأدبي لن يقبل أن يقال فيه - مثلاً - شعراً ركيكاً ليمنح صاحبه الجائزة، وليس بمقدور شاعر آخر أن يكون مشهوراً بفضل الدعاية التي تقوم بها قبيلته، إن كان أدبه غير متوهج.
وفي التوازي مع جوائز يمنحها أشخاص قادرون أو ملوك أو رؤساء دول أو صحاب مناصب، أو منظمات، سعت الدول لتدجين الفكرة، وإعطائها صيغتها الرسمية من خلال ابتكار فكرة جوائز الدول، ولكي تدخل أجناس أدبية أخرى غير الشعر في مسألة الجوائز، وهنا خرج الأدب من حلقته التي كانت تدور في مواضيع الشعر التي كانت تدور في فلك المديح والهجاء والوصف وغير ذلك، إلى أغراض أخرى جاءت بها القصة القصيرة والرواية والنصوص المسرحية والدراسات والبحوث... وهي أغراض ربما ابتعدت بعض الشيء عن التوجه بالإبداع إلى شخص بعينه من خلال مدحه أو ذمه مثلاً، إلى إبحار عام في الحكاية التي تتناول مواضيع ذات حبكة قصصية أو روائية أو مسرحية، أو من خلال تقديم النقد.


وبدخول أجناس أدبية غير الشعر إلى مسألة الجوائز أو المكافآت... ظهرت جهات كثيرة أصبح باستطاعتها منح الجوائز لأغراض متفاوتة منها السعي إلى تشجيع المبدعين على العطاء ودعمهم مادياً من خلال المبالغ المالية التي تتضمنها تلك الجوائز، ومنها الوجاهة وإثبات الوجود، ومنها ما يكشف توجهاً سياسياً، وغير ذلك من الجهات التي تتكاثر بين كل فترة وأخرى.
وهذا الأمر شجع الكُتاب والأدباء في التنافس في ما بينهم من أجل الحصول على تلك الجوائز، والاستفادة من مضامينها المادية والمعنوية (المال والشهرة)، كي تتحول من مجرد تنافس شريف يتحدد من خلاله المتميز الذي يستحق غير المتميز الذي لا يستحق، إلى ترتيبات أخرى يدخل فيها الدعاية الواهمة للأعمال عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والتقرب من أصحاب القرار في تلك الجوائز، أو عمل شبكة من الصداقات مع المتنفذين الذين لديهم القدرة في التأثير على أصحاب القرارات في مسألة منح الجوائز، أو التملق والنفاق، أو تشهير أحدهم بجائزة لأنها تخطته، ومدح أخرى أدخلته في قائمتها.
كل ذلك بينما ينظر أصحاب الإبداع الحقيقي إلى الواقع بأعين المرتاب، الذي لا يشعر بالأمانة في منح الجوائز التي يتحصل عليها المتربصون الذين عكروا الأجواء الأدبية بإبداعاتهم الباهتة، وساهموا بشكل كبير في فقدان الثقة في القيمة الاجتماعية والإنسانية التي من الممكن للإبداع أن يقدمها للإنسانية.
ومن ثم فقد حلّ التهويم والبلاهة محل الأدب الجاد، كي نتفاجأ بأن عملاً أدبياً قد حصد الجائزة غير أنه لا علاقة له بالإبداع، وبعد البحث نكتشف السر الذي يخفيه هذا التفوق الكاذب، وهو اكتشاف يقتل كل بادرة أمل في عودة الأدب إلى سيرته الأولى تلك التي كان لها دور نابه وخلاق في الوجدان الإنساني... إنه سرَ «التضبيطات» والعلاقات الاجتماعية والمحسوبيات وتبادل المصالح، بينما الأدب الجاد غائب بأصحابه ومحبيه.
هكذا... تربّص «المتربصون بالجوائز»... من أجل انتشار التسطيح والجهل، وإزاحة الفكر والطرح الإنساني من طريقهم، ووضعه في هوامش الأحداث.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي