لبنان: تَعاظُم أزمة الدولار يضع المصارف والمودعين... وجهاً لوجه
ارتسمتْ مبكراً ملامحُ «المهمّة المستحيلة» لحكومة الرئيس حسان دياب في وقف عدّاد الانهيار المالي - الاقتصادي من دون إجراءاتٍ مؤلمة يكْمن لها الشارع المتحفّز للانقضاض على أي اقتطاع من جيْبه قبل الاقتصاص ممّن أوصلوا لبنان إلى مصاف الدولة الهالكة، ومن دون إصلاحاتٍ عميقة يشترطها المجتمع الدولي لإثبات «أهلية» بيروت للاستفادة من دعمٍ لا تبتلعه مجدداً ثقوب الهدر والفساد.
وفيما يفترض أن يقرّ مجلس الوزراء غداً البيان الوزاري للحكومة الوليدة في جلسة يترأسها الرئيس ميشال عون، تمهيداً لنيل ثقة البرلمان على أساسه في جلسات تبدأ الثلاثاء أو الأربعاء المقبليْن، فإن الطريقَ إلى اكتمالِ المواصفاتِ الدستورية لهذه الحكومة عَكَس بوضوحٍ «الحِمْليْن» المتداخليْن اللذين يُثْقِلان كاهِلَها: الأول «كرةُ النار» المالية - الاقتصادية، والثاني محاكاةُ الخارج بما يخفف من تداعياتِ «النقْلة» الكبيرة على «رقعة الشطرنج» اللبنانية، والتي لا يمكن فصْلُها عن مسارح المنطقة، التي شكّلها إحكام «حزب الله» القبضة على المؤسسات الدستورية، وما يعنيه ذلك من «حمايةٍ» للورقة اللبنانية على أي طاولة مفاوضات أو مقايضات بعدما باتت في الجيْب و... بالنظام.
وفي الشقّ المالي الذي صار بمثابة «صداع» يومي للبنانيين الذي يستفيقون كل أسبوع أو أكثر على إجراءاتٍ جديدةٍ للمصارف في سياق «حبْس» ودائعهم وتقنين السحوبات النقدية ولا سيما بالدولار، وكان آخِرها خفْض هذه السقوف إلى النصف وعلى دفعتيْن شهرياً بما يراوح بين 400 و600 دولار (في الشهر)، لم تتأخّر في الظهور علاماتُ صراعٍ مكتوم حول «أداة النجاة» لإفلات البلاد «التي تغرق» من المصير الأسود، وهو الصراع الذي يحمل في طيّاته خلافاتٍ تقنيةً ولكن أيضاً ينطوي على مقاربة سياسية «فوق محلية».
وفي حين تبرز مقاربةٌ لأطراف في الائتلاف الحاكم (بينها فريق رئيس الجمهورية) لمسألة الدين العام وسبل توفير السيولة بالدولار (لبنان يحتاج إلى أكثر من 20 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة) لانتشال الواقع المالي - الاقتصادي من «الموت السريري» تقوم على الانطلاق من استحقاق سندات باليوروبوند في مارس المقبل وعدم دفْعها حفاظاً على الاحتياطي «الاستراتيجي» لمصرف لبنان ومن ضمن خطوة أولى لنوع من إعادة هيكلة الدين بالتوازي مع الاستعانة بصندوق النقد الدولي وبرنامج مساعدة يفتح على دعٍم من صناديق أخرى ودول، في مقابل تحفُّظات لفريق رئيس الحكومة عن أي تخلُّف عن السداد قد يرتّب أثماناً على سمعة البلاد في الأسواق العالمية ويسرّع في خفْض تصنيفها.
وبين هذين الحدّيْن، يقف «حزب الله» وفي حساباته رفْض لأي «َتَسَرُّبٍ» لإمرته على الواقع اللبناني عبر «الدفرسوار» المالي بما يستدرج ما يسميّه قريبون منه «وصاية مالية» تجعل المجتمع الدولي «شريكاً» في النفوذ السياسي وتقوّض مجمل ما راكمه الحزب من «نقاط» ثمينة على مدى الأعوام الـ 15 الماضية أوصلتْه إلى «التحكم والسيطرة» على كل مفاصل السلطة. ومن هنا دفْعه نحو خياراتٍ إنقاذية «بالقدرات الذاتية» ومن دون اللجوء إلى «المبْضع الدولي»، الأمر الذي يعتبره خصومه من ضمن رغبته في تكريس «اقتصاد مُقاوِم» يتكيّف مع مشروعه الاقليمي ومقتضياته.
أما في ما خصّ «حقل الأشواك» السياسي الذي تسير فيه الحكومة، فإنّ المؤشرات الأولية لا تشي بقرب خروج المجتمعيْن العربي والدولي من دائرة «الريبة» في مقاربة الواقع المستجدّ في لبنان وانتقال «حزب الله» إلى دفّة «القيادة» بحكومة «اللون الواحد»، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن تكرار البيان الوزاري «الثوابت» في ما خص سلاح «حزب الله» وشرْعنته ضمناً من باب «المقاومة» ومن دون أي إشارة جديدة إلى موضوع الاستراتيجة الدفاعية أو إطلاق رسائل مُطَمْئنة أكثر حيال النأي بالنفس سيجعل الخارج أكثر ارتياباً، في ظلّ رصْدٍ لما إذا كان الإصرار الدولي على «حصان الإصلاح أولاً» لفتْح الطريق أمام «عربة الدعم» هو مسألة تقنية فقط أم تنطوي أيضاً على أبعاد سياسية.
إلى ذلك، أكد سفير السعودية وليد بخاري للمفتي عبداللطيف دريان، حرص المملكة «على أمن لبنان وسلامته واستقراره ووقوفها الى جانب اللبنانيين جميعا ومؤسساتهم والمحافظة على تعزيز العلاقة بين البلدين الشقيقين في المجالات كافة»، آملاً أن «تزول هذه الغيمة في الأيام المقبلة وينعم لبنان بالازدهار والنمو وعودة الأمان الى ربوع لبنان المحبة والعيش المشترك والتعاون مع أشقائه العرب وأصدقائه لما فيه خير البلاد والشعوب».