ماكرون يبلغ عون «رغبته بتطبيق الإصلاحات التي تستجيب لتطلعات الشعب اللبناني»
حكومة دياب تقترب من «حقل النار» المالي
تقترب الحكومةُ الجديدةُ في لبنان من «حقل النار» المالي - الاقتصادي الذي يحتّم عليها اتخاذ قرارات على طريقة «يا أبيض يا أسود» لتحديد «خريطة الطريق» التي ستعتمدها لتوفير أرضيةٍ لـ«سقوطٍ مريح» عوض الانهيار الذي بدأت «عوارضه»، في الوقت الذي تُحاصرها الغضبةُ الشعبية المتفجّرة منذ 17 اكتوبر الماضي والتي رفعتْ بوجهها «لا ثقة» مدوّية يتردّد صداها في أروقة المجتمع الدولي الذي يتّخذ وضعية «لننتظر ونرَ» مضبطةَ السلوك الإصلاحي والسياسي لتشكيلةٍ يضعها الخارج «تحت المراقبة» اللصيقة كونها وُلدت في كنف «حزب الله».
ولم يكن عابراً أن تستعيد «الثورةُ» أمس في «مئويتها» الأولى نبَضها السلمي وحِراكها العابر للمناطق والطوائف بعد أيام طغى عليها النَفس العنفي الذي بدا في بعض مفاصله، ولا سيما في وسط بيروت، وكأنه تمت «حياكته» أو «استثماره» على خلفيات تتّصل بتصفية حسابات بين بعض المكوّنات السياسية أو محاولة إغراق الانتفاضة وتوجيه «سخط» أبنائها نحو ما يصيب أهدافَها بـ«عمى الألوان».
ولم ينفع «الاعتداء الهمجي» على متظاهرين أمام «مجلس الجنوب» في محلّة الجناح الجمعة، وجرْح نحو 15 منهم (بينهم سيدات وفتيات) في «ترويع» المُنْتَفضين الذين تَكاتفوا بعد ظهر أمس تحت عنوان «لا ثقة لن ندفع الثمن» وانطلقوا من نقاط عدة في محيط بيروت ومن داخلها في اتجاه وسط العاصمة الذي تحوّل، ولا سيما محيط مقر البرلمان والسرايا الحكومية، «بقعةً مصفّحة» بمكعبات الاسمنت وبوابات حديد وأسلاك شائكة وجدران عزْل، وسط رصْدٍ لِما إذا كانت مشهدية «الليالي المجنونة» ستتكرّر أم لا.
وبعدما اعتبر البعض الانقضاضَ وبـ«دمٍ باردٍ» من مؤيّدين لحركة «أمل» (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) على المتظاهرين أمام مجلس الجنوب الذين كانوا يضيئون على ما يعتبرونه أحد المزاريب الرئيسية للفساد والهدر (مع مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين)، بمثابة «رسالةٍ استباقية» برسْم الجلسة العامة التي يعقدها البرلمان الاثنين والثلاثاء لإقرار مشروع موازنة 2020 والتي اتُخذت إجراءات لتفادي نجاح المنتفضين في منْع انعقادها، فإن أداء الأجهزة الأمنية مع تجمّعات يوم أمس وُضع تحت المجهر كونه يشكّل اختباراً حقيقياً لِما إذا كانت «هجمة الجناح» مقدّمة لنمَط جديد من التعاطي مع الثوار في أكثر من منطقة، ولا سيما بعدما شهدت النبطية ليل الجمعة حرْق مجسّم الثورة بعد ساعات من رفْعه وسط اعتراضاتٍ من مؤيدين لـ«أمل».
وإذ تمت الإشادة بتعاطي وزير الداخلية محمد فهمي (من حصة دياب) ووزيرة العدل ماري كلود نجم (المحسوبة على التيار الوطني الحر) مع اعتداء الجناح وإدانتهما له وصولاً إلى وصْف الأول ما جرى بأنه «أسلوب همجي»، قبل إعلان توقيف اثنين من المعتدين، دعت أوساط سياسية إلى ترقّب إذا كان هذا المسار سـ«يصمد» ولا سيما في ظلّ تظهير وقوعه على خط «حساسياتٍ» موروثة في العلاقة بين رئيس البرلمان والنائب جميل السيد (قيل الكثير عن دور له في ملف تشكيل الحكومة) الذي لم يتوانَ أمس عن دعوة بري إلى أن «ضبّ (المستشار) أحمد بعلبكي، أحسنلو» على خلفية ما قال إنه «مجموعة من 60 عنصراً حضرت إلى قرب منزلنا في الجناح لقطْع الطريق العام البحري احتجاجاً على مداهمات وتوقيفات طالتهم (...) وجاء مسؤولهم الحج قاسم يقول: ( اللواء عِمِل تويت ضدنا اليوم)».
وعلى وهجِ الاعتراضات على الأرض مضت الحكومة في تسريع الخطى لإنجاز البيان الوزاري الذي ستنال على أساسه ثقة البرلمان الذي ستمْثل أمامه الاثنين في «جلسة الموازنة» التي ستُقَرّ من فوق الالتباسات حول دستورية أن «تمثّل» (حكومة دياب) الحكومةَ الراحلة (وقبل نيلها الثقة) التي «ورثتْ» عنها مشروع الموازنة.
وستشكّل هذه الموازنة، إلى جانب «الخطة الانقاذية» التي يفترض أن يضع البيان الوزاري خطوطَها العريضة «أول تماس» للحكومة مع «كرة النار» المالية التي باتت أمام مفترق تحديد الخيارات حيال «أهون الشرور» في التخفيف من «صدمة» السقوط، سواء بـ«وصفات داخلية» يرى كثيرون أنها لم تعد ممكنة أو بـ«وصفات خارجية» وأبرزها صندوق النقد الدولي وما ينطوي عليه هذا المسار من شروط قاسية.
وفيما برز أمس لقاء وزير المال الجديد غازي وزني مع مدير المكتب التنفيذي للدول العربية في صندوق النقد الدولي سامي جدع في «زيارة مجاملة هدفها التعرّف على فريق صندوق النقد»، كما قال وزني، مشيراً إلى أن اللقاء «لن يتركز على أي خطة إنقاذ اقتصادية»، كان خبراء لبنانيون يجاهرون بالدعوة للجوء إلى برامج صندوق النقد كونه الملاذ الذي لا مفرّ منه، وسط رسْمِ «حزب الله» ما يشبه «خطاً أحمر» مبكراً أمام أي لجوء إلى الصندوق وهو ما عبّر عنه النائب حسن فضل الله الذي أعلن «لا نقبل بأن يُرمى لبنان في أحضان أي وصفات (خارجية) تمس سيادته وحقوقه ونفطه وغازه وثرواته وكرامته، وهذا الموضوع حاسم وجازم».
في موازاة ذلك، كانت المواقف الخارجية من المشهد اللبناني الجديد الذي تعبّر عنه الحكومة، تراوح بين وضْع الغرب عموماً هذه الحكومة «قيد الاختبار» لمدى قدرتها على تطبيق الإصلاحات الشرطية لمدّ يد العون المالي لها.
وبينما عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن «رغبته في تطبيق الاصلاحات التي تستجيب لتطلعات الشعب اللبناني»، وذلك خلال محادثة هاتفية مع رئيس الجمهورية ميشال عون ناقلاً «رسالة دعم للبنان وتمسك بأمنه ووحدته واستقراره»، لفت كلام مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر (لقناة «الحرة») اذ أعلن ان واشنطن «ستتابع عن كثب إن كانت الحكومة الجديدة ملتزمة محاربة الفساد وإخراج لبنان من أزمته المالية بما يسمح بوصول المساعدات الدولية وأعتقد أن هذه هي المعايير التي سنعتمدها للتعاون مع الحكومة».
وأقرّ شنكر بأن «هذه الحكومة شكّلها ويدعمها حزب الله ومؤيدو النظام السوري في لبنان، وهذا يطرح أسئلة كثيرة، بعمنى هل ستكون هذه الحكومة ملتزمة محاربة الفساد والقيام بالإصلاح لأن حزب الله يعيش على الفساد وسننتظر ونرى»، ملمحاً إلى عقوبات جديدة «ربما ستفرض في وقت قريب».