«حزب الله» لن يشترط تضمين «ثلاثيّته» البيان الوزاري
«العين الدولية» على «التموْضع السياسي» لحكومة لبنان وإصلاحاتها
• فرصة أوروبية مشروطة بالإصلاح والنأي بالنفس أمام حكومة دياب
• الموقف الأميركي ملتبسٌ من الحكومة الجديدة وحاسِمٌ من «حزب الله»
• الملفات السياسية خارج الحكومة «المنزوعة الدسم» وبيد أولياء أمرها
لم يتأخّر المجتمعُ الدولي في تحديد «شروطه» للتعاون مع حكومة الرئيس حسان دياب القابعة بين «مطرقة» الرصْد الخارجي الدقيق لأدائها الإصلاحي والسياسي و«سندان» بركان الغضب الشعبي في الداخل والذي يُنْذِر بـ «تسونامي حارِق».
وبعد أقلّ من 48 ساعة على ولادة «الحكومة العشرينية» التي يشكّل «حزب الله» رافعتَها الأساسية (مع فريق الرئيس ميشال عون)، تَبَلْوَرَتْ ملامحُ «فترة مراقبةٍ» دوليةٍ لـ «خريطة الطريق» التي ستعتمدها على مساريْن متوازييْن مطلوبيْن لمدّ «حبْل النجاة» للبنان من الأزمة المالية - الاقتصادية الأخطر في تاريخه:
• الأول داخلي وقوامه رزمة «الإصلاحات البنيوية» الموعودة منذ نحو عاميْن والتي اصطدم إنجازُها بـ «شبكة المَصالح» السياسية - الحزبية - الطائفية.
• والمسار الثاني «التموْضع السياسي» على المستوى الخارجي بما لا يكرّس سقوطَ لبنان رسمياً في «المحور الإيراني» الذي انزلقتْ إليه البلاد تباعاً عبر «القضم» الممنْهج للتوازنات التي «انكسرتْ» بالكامل في الانتخابات النيابية الأخيرة (فاز بالأكثرية فيها تحالف حزب الله - عون)، وصولاً إلى تشكيل حكومة «حلفاء طهران» التي جاءتْ بعد ما يشبه «الانقلابَ الناعم» الذي دَفَن تسوية 2016 التي كانت «النسخة الأخيرة» والأكثر «كلفة» في سلسلة التراجعات لِما كان يُعرف بقوى «14 آذار» أمام الحزب.
وارتسم موقف المجتمع الدولي من حكومة «اللون الواحد» في لبنان في سلسلة اللقاءات الديبلوماسية التي عقدها دياب مع عدد من السفراء الغربيين كما عبر بياناتٍ من وزراء خارجية أوروبيين وفق الآتي:
• إعلان رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف بعد لقاء دياب
أن «الاتحاد الاوروبي مستعدّ للالتزام ايجاباً بالمساعدة إذا نفّذت الحكومة الاصلاحات»، مشدداً على مسألة «النأي بالنفس والابتعاد عن مشاكل المنطقة»، وقال: «سنراقب تموْضع الحكومة سياسياً»، رافضاً التعليق عما اذا كانت حكومة من لون واحد أو حكومة «حزب الله».
• اعتبار وزارة الخارجية الفرنسية أنه «سيكون من الضروري إجراء إصلاحات عميقة وطموحة (...) والاولوية لاتخاذ تدابير طارئة لاستعادة الثقة»، مضيفة: «فرنسا على استعداد لدعم السلطات اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات اللازمة وستبذل قصارى جهدها لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته. كما تؤكد تمسكها بسيادة لبنان واستقراره وأمنه، وبضرورة النأي بالنفس عن الأزمات الراهنة في سياق التوترات الإقليمية».
• تشديد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب على أن «دعم الحكومة اللبنانية رهن التزامها بالإصلاح».
وهذا المناخ الذي عبّر عن «فترة سماح» للحكومة الجديدة لاقاه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي طالب اللبنانيين بألا يتركوا «الاعتبارات السياسية تطمس إنجازاً إيجابياً كبيراً: وجود 6 نساء في الحكومة أي 30 في المئة، وامرأة للمرة الأولى كنائب لرئيس الوزراء ووزيرة الدفاع. ساعدوهنّ على النجاح واحكموا عليهن من خلال نتائجهن».
وفي موازاة «الفرصة» التي منَحها الأوروبيون، لم يتّضح كيف ستتعاطى دول الخليج مع التحوّل الكبير في المشهد السياسي الداخلي الذي عكستْه التشكيلة الحكومية و«عرّابيها»، في ظل صمتٍ خليجي وعربي إزاء مجمل الواقع اللبناني كَسَره كلامٌ لوزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير الذي شدد على «أن تدخلات إيران كبيرة، وأن شيعة العراق ولبنان يتظاهرون ضدها».
وجاء هذا الكلام غداة موقف «حمّال أوجه» لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال رداً على سؤال حول إذا كانت الولايات المتحدة ستعمل مع الحكومة الجديدة في لبنان، بعدما هاجم «حزب الله» الذي «باتت جذوره في كل العالم»: «علينا أن ننظر في ذلك. حتى الآن، لست أدري ما هي الإجابة. كنا واضحين جداً في شأن متطلبات الولايات المتحدة اللازمة للتدخل. لبنان يواجه أزمة مالية رهيبة مطروحة أمامه في الأسابيع المقبلة. نحن مستعدون للتدخل، وتقديم دعم، لكن حصراً لحكومة ملتزمة بالإصلاح. لكن إذا نظرتَ إلى الاحتجاجات التي تجري في بيروت وفي مدن خارجها، يمكنك أن ترى، تماماً كما في بغداد إنها ليست ضد أميركا، هذه احتجاجات تطالب بالسيادة والحرية. الاحتجاجات في لبنان اليوم تقول لحزب الله»كفى«. نحن نريد حكومة غير فاسدة تعكس إرادة شعب لبنان. وهذا هو النوع من الحكومات الذي سنساعده في لبنان».
وإذ توقفت أوساط سياسية عند «البرودة» الأميركية - الخليجية حتى الساعة في التعاطي مع الحكومة العتيدة لافتة إلى أن الأبعاد السياسية الاقليمية للتوازنات الداخلية هي أول ما يأخذه هذان الطرفان في مقاربتهما الوضع اللبناني ومعتبرة أنه من دون غطاء أميركي - خليجي يصعب وضْع البلاد على سكة الخروج من الانهيار الذي بدأ، اعتبرتْ أن محكاً أساسياً في النظرة إلى الحكومة وتموْضعها سيشكّله بيانُها الوزاري.
وقد علمت «الراي» أن «حزب الله» المعني بتأمين فرص النجاح للحكومة التي يديرها من الخلف لن يشترط تضمينَ بيانها الوزاري معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» مباشرةً أو مداوَرة، وهي العبارة التي غالباً ما كان يخوض من أجلها «معارك» قاسية لانتزاع غطاء حكومي لسلاحه في بيانات الحكومات السابقة.
وفُهم في هذا الإطار أن «حزب الله» سيترك تقديرَ الموقف في شأن «معادلة سلاحه» لدياب، فالأمر سيّان بالنسبة الى الحزب في حال جرى استنساخ الفقرة من بيان الحكومة السابقة أو اعتُمدت أي صياغة أخرى وحتى لو تَقرر تجاهُل الأمر تماماً.
وكشفتْ أوساط واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي» عن أن توجهات أولياء أمر حكومة دياب تقضي بجعْلها منزوعة «الدسم» السياسي وأشبه بـ «مجلس اقتصادي - اجتماعي»، فالقرارات في شأن الملفات السياسية المهمة أو تلك الاستراتيجية ستُتخذ خارجها ومنوطة بالأطراف السياسية التي جاءت بها.
وأشارت الأوساطُ نفسُها إلى أن ملفاتٍ مثل التفاوض على ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل والعلاقة مع سورية ومآل الوضع على المعابر الحدودية بين لبنان وسورية والموقف من النازحين وما شابَه... جميعُها ستكون خارج الحكومة ويَتقرر الموقف حيالها في الأطر القائمة بين «حزب الله» وعون.
وفي موازاة ذلك، كان «حقلُ الألغام» الداخلي الذي تسير فيه «حكومة نصف لبنان» يشهد مناخيْن متضاربيْن: الأول على المستوى السياسي مع اتساع رقعة الجو الذي يميل إلى منْحها فرصة من الأطراف الذين لم يشاركوا فيها، وقد انضمّ إليه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي أعلن «ان من السابق لأوانه إطلاق الأحكام بشأنها (...) ومن الطبيعي ان نراقب عملها آخذين في الاعتبار حاجة البلاد إلى فرصة لالتقاط الأنفاس»، مؤكداً «لن تصح مقاربة الوضع الحكومي بمعزل عن رصد مواقف الأشقاء والأصدقاء أو بالقفز فوق ردة الفعل الشعبية والشعور السائد بأن الحكومة لا تشبه مطالب الناس (...) والعبرة بممارسات الأيام الآتية».
والمناخ الثاني على مستوى «الأرض» التي ما زالت تغلي مع رفْض الانتفاضة «حكومة المحاصصة السياسية - الحزبية» البعيدة عن مطلب «حكومة الاختصاصيين المستقلين التي تمهّد لانتخابات مبكرة»، وسط مخاوف تتعاظم من مشاهد «الليالي المجنونة» في قلب بيروت وما تخلّلها ليل الأربعاء من أعمال شغب وتخريب محلاتِ وأملاك عامة وخاصة ومواجهات بين محتجين والقوى الأمنية في محيط البرلمان قبل أن تتمدّد إلى أسواق بيروت وصولاً إلى الصيفي حيث جرى تحطيم محتويات مبنى «تاتش».
وفي حين حصّنت القوى الأمنية أمس محيط البرلمان والسرايا الحكومية بألواح حديدية ومكعبات اسمنت وسط تفكير في «خطط» لضمان انعقاد الجلسة العامة لمجلس النواب الاثنين المقبل ولاحقاً جلسة الثقة بالحكومة (بعد إنجاز البيان الوزاري)، برزت مخاوف من «أجنداتٍ سياسية» وراء «شغب بيروت» تستغلّ غضب الناس.
وكان لافتاً تنديد الحريري «باستباحة بيروت وأسواقها ومؤسساتها»، معتبراً أنه «عمل مرفوض كائنا من كان يقوم به أو يغطيه ويحرض عليه»، داعياً «لحماية بيروت من الفوضى وأعمال العنف فنقطع الطريق على أي مخطط يريد استخدام غضب الناس جسراً تعبر فوقه الفتنة»، فيما وصف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «ما جرى ويجري في أسواق وسط بيروت من بعض المندسين، بأنها أعمال منافية للأخلاق وشغب مرفوض ومدان».