استضافه «حديث الإثنين» لمركز الشيخ جابر الثقافي خلال أمسية جامعة

خليفة الوقيان: بناء الإنسان هو الأهم ... لمواجهة تحديات المستقبل

تصغير
تكبير

 يتصور البسطاء  من المسؤولين أن الثقافة عبارة عن كتب يقرأها المعقدون


حلّ الشاعر الكبير الدكتور خليفة الوقيان مساء أول من أمس - ضيفاً استثنائياً على مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، لإحياء أمسية متميزة، أقيمت في القاعة المستديرة ضمن سلسلة «حديث الإثنين»، تناول فيها الشعر والرأي والرؤية، واستشرف من خلالها الواقع، كما استلهم الحاضر، ونظر إلى المستقبل، من خلال ما قاله من قصائد وما أبداه من كلام، وما أجاب عنه من أسئلة.
والروائية بثينة العيسى التي تصدت لتقديم هذه الأمسية قالت: «عرفناه باحثاً من الطراز الأول، وشاعراً متفرداً جامعاً بين الأصالة والتجريب، وواحداً من الأسماء المركزية في مسار التجربة الشعرية في الكويت والوطن العربي، ومن أبرز الأسماء التي ساهمت في تشكيل خارطة المشهد الثقافي على مدى سنوات».
وأوضح الوقيان أن الأمسية مُقسّمة إلى ثلاثة أقسام وهي: الشعر، والحوار، وأسئلة الحضور. ومن ثم ألقى مجموعة من قصائده التي تلامس المشاعر من خلال مفرداتها الرهيفة، ومواضيعها التي تبحث عن الإنسان، تفاعلاً واستلهاماً، إلى جانب القضايا الحيوية التي تطرقت إليها تلك القصائد، والتواصل الضمني مع الواقع والخيال معاً. فجاءت في أنساق شعرية اتسمت بالقوة والقدرة على تأكيد الفكرة بكثير من التكثيف والإيحاء، وكانت البداية مع قصيدة «ثرثرة»:



الصمت يحمد في زمان الثرثره
والصامتون عيون حق مضمره
والصامتون مسامع وبصائر
ومدارك وسيوف رصد مشهره
غابت شموس الساهرين الحالميـن
 الحالمين رؤى الليالي المقمره
وأوضح الوقيان - قبل إلقاء القصيدة الثانية - أنه تمنى كتابة قصيدة جديدة حول الأوضاع هذه الأيام، ولكنه وجد من ضمن قصائده قصيدة تغنى عن كتابة الشعر الجديد، وقد كتبها قبل 39 عاماً، تحديداً في عام 1981، وجاءت بعنوان «تحولات الأزمنة» وهي ضمن ديوان يحمل عنوان القصيدة نفسها ليقول:
في الزمان الترابي
تبتلع الأرض أحزانها
فتقيء بصحف الصباح
وجوه البغايا، ذيول الطواويس
ثرثرة العار
كل الطقوس القبيحة كل الأفاعي
جلود الشتاء
 وأنشد الوقيان قصيدة «مذبحة الفواكه» التي كتبها في شهر يوليو من العام 1985 عندما فجر الإرهابيون المقاهي الشعبية الكويتية بما فيها، وحتى ألعاب للأطفال ليقول:
وفي لحظة/‏‏‏‏ توقف في ظلها كل شيء
نداء المؤذن/‏‏‏‏ هدهدة الأم للطفل
عزف لآنية الشاي
...
صرير المراجيح/‏‏‏‏ تعلو وتدنو تحرك
تحت المقاعد/‏‏‏‏ شيء دفين
ثم قالت العيسى إنها على المستوى الشخصي كانت تتطلع كثيراً لهذه اللقاء منذ وقت طويل وشكرته على قبول الدعوة، وسألته عن بدايته... ليكشف الوقيان أنه في نهاية المرحلة الثانوية كان يحاول كتابة الشعر ولكن البداية العملية كانت في سنة 1966، حين قام أخوه وأستاذه خالد سعود الزيد، بالتعرف على المحاولات القليلة والبسيطة التي يكتبها، وأصر على أن ينشرها، ونشر له أول قصيدة في عام 1966 في مجلة الكويت، مبينا أن فضل خالد سعود الزيد عليه كبير، فهو الذي شجعه على الكتابة وأيضاً على محاولة تطوير النفس، وبيّن أن بداية اهتمامه وحبه للشعر من خلال الشعر الجاهلي، وأنه حفظ أغلب المعلقات في ذلك الوقت، ثم صار انتقاله إلى العصر الأموي فالعباسي، وصولاً إلى الشعر الحديث.
وطرح على الوقيان سؤالاً: هل ما زال التيار العروبي قائماً في 2020، أجاب: «بكل تأكيد قائم»، وأوضح أننا نحن عرب وليس لدينا خيار آخر، وأضاف: «طالما أنتمي إلى أمة تمتد من الخليج إلى المحيط وقوامها مئات الملايين من البشر، فلماذا الاستعانة بالأجنبي لمواجهة التحديات والمعوقات المختلفة».
واستمع حضور الحوار لأغنية «قل للرفاق» التي لحنها غنام الديكان، وقام بغنائها الفنان القدير شادي الخليج، التي أطلقت آنذاك في فترة الغزو العراقي الغاشم. وبيّنت العيسى في حديثها أنه خلال فترة الغزو العراقي الغاشم تم تسجيل أغنية «قل للرفاق، والعروس والقرصان» وهما من قصائد الوقيان وتم غناؤهما، وسألته عن رحلته في تحويل القصيدة إلى أغنية ولماذا لم تستمر هذه الرحلة بعد الغزو؟، ليقول إنه لم يكن مقتنعاً بالدخول في عالم الغناء، أن يكتب لكي تغنى قصائده، وطلب منه الكثير من الفنانين بعض القصائد ولكنه لم يوافق، وعند حدوث الغزو كان في الكويت، وحين اشتداد الخناق، اضطر إلى السفر إلى القاهرة، وهناك التقى بالفنان القدير شادي الخليج، والملحن القدير غنام الديكان، وفي هذه الفترة كل شخص كان يسهم في المجال الذي يخصه، فكتب خلال فترة الغزو في الشهور الأولى قصيدة «برقيات كويتية» والتي أطلقوا عليها «قل للرفاق»، مشيراً إلى أن الموضوع كان وطنياً وحالة استثنائية فوافق على تلحين ثلاث قصائد. وأضاف الوقيان أنه ألّف قصيدة لطلاب المدارس في أثناء فترة الغزو، لأنه وجد أنهم بحاجة إلى نشيد في الصباح، فهم في الصباح ينشدون أناشيد عادية.
وعن رأيه في الثقافة في الكويت قال الوقيان: «الثقافة توضح صورة المجتمع»، وفي ما يخص تقييد حرية الإبداع أوضح أنه شيء طبيعي يحدث في الوقت الحاضر، لأن من يسيطرون الآن لا يؤمنون بالحريات، ولا يؤمنون بالفنون، ولا الانفتاح، وموضحاً أن النشاط الثقافي وليس الثقافة بدأ أهلياً، وانتهى أهلياً وأنه في المرحلة الوسطى بينهما كان هناك إسهامات حكومية، بفضل جهود فردية وليس نتيجة استراتيجية وضعتها الدولة، ولفت إلى أن موضوع الثقافة طويل ويحتاج إلى محاضرة.
ومن الأسئلة التي طرحتها العيسى: «كنت في فترة الأمين العام بالوكالة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ثم قدمت استقالة مسببة من العمل في 1987، ما أسباب استقالتك؟ ليجيب الوقيان بأنه عمل في المجلس منذ تأسيسه مع عبدالعزيز حسين، وأحمد العدواني، وأعضاء المجلس، وأسماء أخرى بارزة في المجال الثقافي ولها إسهامات كبيرة، وأنه بعد هذه الفترة كان من الصعب العمل بعدهم مع أناس ليس لهم علاقة بالثقافة.
وفي المداخلات طرح أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين الدكتور خالد عبداللطيف رمضان سؤالاً إلى الوقيان، يتعلق بما يحدث الآن للثقافة من تهميش هل هي من باب الصدفة أو الإهمال أو الجهل ليجيب الوقيان بقوله: «بالتأكيد الجهل بأهمية الثقافة، وربما أيضاً إدراك مفهوم الثقافة، ويتصور البسطاء من المسؤولين أن الثقافة عبارة عن كتب يقرأها المعقدون، وأنها تخص نخبه معينة وأن بقية المجتمع لا تعنيه هذه القضية».
وسأله أحد الحضور عن كيفية النهضة بالوضع الثقافي في الكويت ليجيب: «قلت الكلام هذا أكثر من مرة وفي أكثر من مقابلة، المشكلة أن الدولة لا تمتلك استراتيجية ثقافية، ولا تدري كيف ينبغي أن تكون عليه البلاد في المستقبل، والمسألة ليست مقتصرة على شأن الثقافة، حتى في المناهج الدراسية»، لافتا أن الأهم هو بناء الإنسان لمواجهة تحديات المستقبل، مؤكداً أن كل المشروعات الثقافية الكبرى الكثيرة في المجلس، لم تنفذ إلا بعد مرور أربعين أو خمسين سنة، ومنها مركز الشيخ جابر الثقافي، فقد كان مقرراً منذ 1975، بالإضافة إلى المكتبة الوطنية، وأيضاً الحي الثقافي الذي تم إلغاؤه.
من جانبه آخر، طرح الناقد والكاتب فهد الهندال سؤالاً يتعلق بمتابعته للحركة الشعرية في الكويت ووجود أجيال جديدة سواء في الرابطة أو خارجها، وهل الشعر حاضر كما كان في السابق، ليجيب الوقيان: «في ما يتعلق بالشعر فلدينا مبدعون كبار ومنهم الشاعر نشمي المهنا وسامي القريني»، ولفت إلى أنه في الآونة الأخيرة هناك نوع من العودة إلى الشعر التقليدي - العمودي - حتى بشكله الكلاسيكي القديم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي