ملامح المشكلة تشكّلت منذ خمسينات القرن الماضي

القضية الإسكانية.. تاريخ حكومي يخلو من النجاح في حلحلة الأزمة!

No Image
تصغير
تكبير
  • المسؤولية تنقّلت  بين مجالس ودوائر ولجان منذ 1954  حتى وصلت لـ «السكنية»

يجمع كثير من راصدي تاريخ القضية الإسكانية في الكويت على أن ملامحها بدأت تتشكل بشكل ملحوظ في خمسينات وستينات القرن الماضي، مع ما رافق تلك الفترة من انطلاق للطفرة النفطية، وتخطيط عمراني تزامن مع الزيادة السكانية، وتقلص نموذج العائلة الممتدة والتحول نحو العائلة النووية الصغيرة، إضافة إلى ترك الكثير من السكان لحياة البداوة، واستقطاب الكويت للوافدين من مختلف البلدان للعمل.
ويُظهر المسار التاريخي للاهتمام الحكومي بقضية الإسكان، أن أول بدايات هذا الاهتمام برزت في 1954، وهو العام نفسه الذي تعرضت فيه الكثير من البيوت الطينية للمواطنين إلى الانهيار نتيجة سيول الأمطار الكبيرة التي شهدتها البلاد آنذاك، الأمر الذي أصدر على إثره «مجلس الإنشاء»، بوصفه الجهة المسؤولة عن وضع السياسة السكانية والعمرانية، قراراً ببناء 2000 وحدة سكنية.
وبعد مضي عامين، تم تشكيل ما يعرف بدائرة أملاك الحكومة، التي اضطلعت بمهمة توزيع البيوت على ذوي الدخل المحدود، تلاها في 1958 تأسيس لجنة الإسكان، التي أُطلقت على يد بعض مديري الدوائر الحكومية لتتشارك في عملها مع دائرة أملاك الحكومة.


ولم يتم الاكتفاء بذلك، بل تم تشكيل لجنة أخرى اتخذت اسم «لجنة توزيع المساكن» أشرف عليها بعض المواطنين وأصحاب الأعمال الحرة، وتمكنت من توزيع بيوت جاهزة على المستحقين من ذوي الدخل المحدود، كما تقدمت دائرة أملاك الحكومة، في العام ذاته، باقتراح إلى مجلس الإنشاء لتخصيص 1000 قسيمة سكنية مساحة كل منها 500 متر مربع لذوي الدخل المحدود، على أن تقوم الحكومة بتقديم قروض تمكّنهم من البناء بمعرفتهم.
ومع تنامي الطلب على السكن وسط تزايد أعداد المواطنين والوافدين، وجّهت الحكومة نحو تأسيس أول مصرف للقروض العقارية تحت اسم «بنك الائتمان»، والذي انطلق في 1960 برأسمال بلغ 7.5 مليون دينار، وفي سنة 1965 تم تشريع قانون يهدف إلى تطوير نشاط البنك تحت اسم بنك «التسليف والادخار»، ليقوم أيضاً بمهمة بناء البيوت السكنية، حيث بلغت قيمة رأسمال البنك نحو 25 مليون دينار.
ومع تزايد الاهتمام بالقضية الاسكانية، وصلت ميزانية البنك عام 1976 إلى 320 مليون دينار، على أن البنك لم يكتف بتقديم القروض الميسرة فقط، بل وفّر المرافق الأساسية لاحتياجات الناس في المناطق السكنية، مثل المساجد والمدارس وبناء المساكن الشعبية.
وتنقّلت مسؤولية قضية الإسكان في السنوات التالية بين عدد من الجهات، منها إدارة الإسكان في وزارة المالية والاقتصاد في عام 1961، ثم دائرة الشؤون الاجتماعية بعد أن حدثت فجوة في عدد طلبات الحصول على السكن، التي فاقت ما يمكن أن تسلمه الحكومة من مساكن جاهزة للمواطنين.
وعلى إثر ذلك صدر في 1962 مرسوم أميري يقضي بمسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن تلقي الطلبات وتوزيع البيوت على مستحقيها وفقاً للأولويات المعمول بها.
بعد ذلك، وتحديداً في 1974 أنيطت هذه المسؤولية بالهيئة العامة للإسكان، برأسمال قدره 200 مليون دينار، وبعد عام تم استحداث وزارة خاصة بالإسكان في التشكيل الوزاري، أوكل إليها مهمة توفير وتوزيع البيوت الحكومية والتخطيط للتنمية الإسكانية بوجه عام.
وتوالت التوزيعات للوحدات السكنية مع التوسع أكثر نحو مناطق جديدة، حتى جاء عام 1986 الذي شهد توحيد العمل على هذه القضية من خلال دمج المجلس الأعلى للإسكان مع وزارة الإسكان، ليستمر هذا الوضع حتى إصدار قانون الرعاية السكنية رقم 47 لسنة 1993، والذي أنشئت بموجبه المؤسسة العامة للرعاية السكنية، بميزانية مستقلة لها مجلس إدارة ممثلاً لجميع الوزارات والهيئات الحكومية التي لها علاقة بتوفير الرعاية السكنية.
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، تعمل المؤسسة على استقبال طلبات المواطنين، حتى تحولت هذه الطلبات اليوم إلى كرة الثلج تأخذ بالتزايد يوماً بعد يوم. ورغم أن القانون في الكويت يفرض على المؤسسة توفير السكن لكل مواطن متزوج خلال 5 سنوات من تاريخ تقديم الطلب للحصول على الرعاية السكنية، فإن طول طوابير الانتظار وعدم ملاءمة مواصفات الوحدات السكنية متطلبات المواطنين، جعلت مسألة حصول المواطن أشبه بحلم قد يتطلب تحقيقه مرور أكثر من 20 عاماً.
ومع الاهتمام الحكومي الذي تظهره هذه اللمحة التاريخية لمسار القضية الاسكانية، فإن ذلك لم يكن كافياً ليفي بشكل فعلي بالطلب المتزايد على هذا الاحتياج الأساسي في حياة المواطن، الأمر الذي جعل الأخير يلقي باللائمة على الحكومة، حينما وجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: فإما أن يضطر إلى تحمل أعباء الديون، أو أن يكون أسيراً تحت وطأة الإيجارات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي