مثقفون بلا حدود
السينما ما بين الفن والإبداع والصناعة
تتباين الرؤى حول علم السينما هل هو فن أم إبداع أم صناعة؟ تحت مقولة الكاتب الفرنسي وزير الثقافة أندريه مارو في سنة 1939: «السينما فنّ لكنه أيضا صناعة» أ.هـ. فالوزير الفرنسي لم يستخدم (واو العطف)؛ لم يقل (فن وصناعة)، بل تلقائيا قال: (فن) ثم استدرك بحرف ناسخ (لكنه أيضا صناعة). وهذا ما يقرّه الباحث التونسي لطفي النجار الذي يرى «أن السينما مركب جمالي ثقافي تلعب فيه العوامل الاقتصادية دورا شديد الأهمية يختلف نوعيا عن كل الأشكال التعبيرية الأخرى» ا.هـ.
والفن مؤهلات وقدرات ومواهب لا تتأتى لجميع البشر، إنما هي ملكات يهبها الله سبحانه لمن يشاء من عباده؛ فليس كل من (هبّ ودبّ) شغل في السينما، كما نرى في يومنا الحاضر، بل لا بد أن يتمتع بمزايا عدة تؤهله على العمل في هذا الجهاز العظيم، كما ينبغي عليه أن يصقل هذه المزايا بدراسة قواعد وأسس العمل السينمائي، إذ لا تكفي الموهبة نفسها، فالموهبة ملكة والصناعة مكتسبة. والاثنتان إذا تعانقتا وانسجمتا وتناغمتا تولدان الإبداع؛ يصف الدكتور صلاح الدين الفاضل الفن قائلاً: «هو إبداع والإبداع مقدرة Ability على خلق شيء جديد ومبتكر تماماً وإخراجه إلى حيّز الوجود، والإبداع عند بعض المنظّرين هو العملية Process أو العمليات السيكولوجية التي بها خلق وابتكار ذلك الشيء ذي القيمة العالية... والعبقريّ المبدع هو ذلك الإنسان القادر على إدراك الروابط الحقيقية بين الأشياء، وفي قدرته على إعادة ترتيب عناصر سابقة في صياغة جديدة» ا.هـ.
إذاً هناك علاقة متنامية أو قل علاقة تكاملية بين الفن من جهة وبين الإبداع والخلق والابتكار والعبقرية من جهة أخرى، على أن مفهوم الفن هو العباءة التي تنضوي تحتها العبقرية والإبداع والخلق والابتكار وكل ما هو جميل مشرق نادر، وهذه البوتقة المخملية الرائعة هي من مقومات العمل السينمائي، يؤكد ذلك المخرج التونسي هشام الجربي قائلا: «ما انفكـّت السينما منذ نشأتها وفي أهم لحظاتها تستنبط من مختلف الفنون، وتستكشف بفنيّاتها الخاصة أشكالا للتعبير، ثم تعيد فيها النظر. وهذه مسيرة جميع الفنون، فكيف لا تكون مسيرة السينما وهو الفنّ الذي يعانق جميع الفنون ويتغذّى منها ويلبس منها أو يمتطيها أو يقلع بها في تعامله مع أرضية الواقع؟!» ا.هـ.
أما عن كون الفن هو الإبداع فـ «يرى أفلاطون أن الإبداع: قوة خارقة خارجة عن إرادة الفرد... لذلك ينكر أيّ بداية واعية للفن، لأن العملية الإبداعية عامل لا واعٍ، وبلا كوابح وأن الفنان يرى العالم في المحسوس شبحا لأشياء وأفكار موجودة مسبقا والفنان يحاكي المثل».
في هاتين الفقرتين سالفتي الذكر نرى كلمة «الواقع» في عبارته (في تعامله مع أرضية الواقع) ويقابل الواقع (الخيال) ونرى كلمة (المحسوس) ويقابلها كلمة (اللا محسوس) هذا الزخم من المصطلحات والمفاهيم الشمولية (فن، خيال، واقع، ملموس، محسوس، ابتكار، عبقرية، خلق، إبداع...) كلها في النهاية مكونات لسينما في شقها الأول والأهم، أما في شقها الثاني والذي لا يقل أهمية عن الشق الأول يتعلق بأدوات السينما وهذا باب طويل جداً. أنصح في ذلك قراءة كتاب من جزأين بعنوان (ما هي السينما؟) تأليف الأستاذ الدكتور محمود إبرّقن، منشورات المُبرق.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com