قضية
جردة سنوية... لثقافة لا تخدم الإنسان
ليس على سبيل التشاؤم أو اليأس، حينما نقول إن العام الذي يقترب أفوله، لم يكن مختلفاً في القيمة الثقافية عما سبقه من أعوام أخرى، وإن المثقفين والأدباء، لا يزالون في مصالحهم يسعون بجدٍ واجتهاد، لنيل جائزة مقصودة التوجه والاتجاه، أو الفوز بشهرة عمياء، أو الحصول على منصب باهت.
نرى بتكرار مقيت... الوجوه نفسها التي تمعن النظر في مرايانا، ونحن لا نقدر على «هشها» أو إغلاق انعكاسها، إلا بكسر تلك المرايا، والتخلص التام من وجوهنا أيضاً لننعزل في زوايا لا يصل إليها الضوء ولا الظلمة.
ننعزل لننجو ببعض ما تبقى من إنسانية في مشاعرنا، نعم ننعزل كي لا نرى هؤلاء الذين يمتلكون قدرات فائقة على الوصول إلى ما تتطلع إليه مصالحهم، وهم يريدون إقناعنا أنهم يسعون إلى خير الإنسان، من خلال كتابات منسوخة وأفكار بالية، ومعان غارقة في التسطيح.
العام يمر... في تواصله المحيّر مع كل ما ليس له علاقة بالثقافة تلك التي تهتم بالإنسان، إنه التواصل الذي ينشد أسماء قادرة على أن تعبر عن مصالحها، سعياً وهرولة وحتى حبواً.
إنه التواصل مع ظلمات تدعو إلى هجران الواقع والسباحة خلف قليلي القيمة، من أجل أن نقتدي بهم ونعدهم نبهاءنا ومفكرينا.
فكل من تمكن من إصدار كتاب أو رواية أو دراسة، يعتقد أنه ساهم بمحصلة متميز في إثراء الحياة، بينما- وأنت تقرأ ما أنتجه - تجده هراء وكلاماً لا محصلة ترجى من ورائه.
فليس متاحاً الآن... إنتاج ثقافة تخدم الإنسان، وتلبي متطلباته المعنوية، من فهم للواقع بشكل إيجابي، وتحقيق الطمأنينة الفكرية والذهنية، التي تجعله يسعى في الأرض من دون رهبة من الجهول أو خوف من السقوط في اللجج والمستنقعات.
الثقافة بمفهومها الفكري الذي ينتصر للجمال ويتباهى بالحقيقة، ويجنح - من أجل تنمية العقل - إلى الخيال، لم تعد قادرة على أن تخرج من حيزها الضيق، الذي تحده إرهاصات يرى أصحابها أنها إبداعية تتعلق بكتابة الشعر والقصة والرواية، والقصة القصيرة، والتصارع مع مفردات النقد، أو التفاخر بمعلومات وتنظيرات ونظريات أكاديمية جاحدة، لا تقدم أي تصور ما يعشيه فقراء الأرض من ذلة ومهانة، أو على أقل تقدير تقديم صورة للإنسان الحقيقي الذي تغمره الشفافية وتهزه المواقف المؤثرة، وتحرك مشاعره رؤى الجمال.
العام يمرّ... من دون أن نلمس تطوراً أو حتى تحركاً تجاه الإنسان البسيط الذي هلكته آلة الحرب وأنهكته الصراعات، وأغرقته المهانة في بحورها المظلمة، بينما الكلمة لا تزال في يقين «المتثقفين» لا تخرج من كونها قصيدة مرصوصة بكلام ليس بمقدوره أن يسد رمق جائع أو يصد ألماً يملأ أعين أطفال مشردين، ولا يخفف من وحشة أسرة فتكت بها أطماع السياسيين.
إنها لا تخرج من حيز رواية كتبها صاحبها من أجل نيل جائزة، أو كي يقال عنه أنه روائي، والتباهي بها على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يكون لها أي دور في سعادة الإنسان المغلوب على أمره، إنهم يكتبون الروايات ثم ينافقون ويتملقون كي تحظى برعاية المؤسسات الرسمية بينما مضامينها تافهة وأفكارها مكررة، لتطبع في مطابع رسمية وتقام لها الندوات وحفلات توقيع بمباركة عالية المستوى، كما تحوّل إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية على غرار المسلسلات الرمضانية، بينما المحصلة التي تعود على الإنسان معدومة، انه الروائي الذي تنشر صوره في مختلف الجهات الإعلامية ويدعى إلى الندوات الداخلية والخارجية - بصفته نجماً من نجوم المجتمع - ليحكي بسذاجة عن تجربته التي ليس لها شبيه.
العام يمرّ... وما زال النقاد يتحصنون بشهاداتهم العلمية ومحفوظاتهم المعرفية، وقدراتهم المثيرة في التلون حسب البيئة التي يضعون أنفسهم فيها، والتي إن كانت تشبه مصالحهم تصالحوا معها وتلوّنت جلودهم بها، وإن تخاصموا معها رفضتها جلدوهم، وتلّونت بالصد والانتقام والهجوم.
العام يمرّ... ولا تزال الأنفس غير قادرة على أن تفهم التسامح إنها تلفظه، بتعالٍ ونكران.