قيم ومبادئ

الرأي في الدين؟

تصغير
تكبير

جاء الإسلام بمنهج حضاري فتح الباب واسعاً أمام الآراء السديدة والمقترحات الرشيدة الهادفة لرفعة الأمة وتعزيز مكانتها بين الأمم، كما أعطانا الإسلام الأساس الذي توزن به جميع الآراء والأقوال والأعمال، واليوم بسبب الانفتاح وتدفق المعلومات تكمن الخطورة في ما لو أعمل الإنسان رأية وقرر نتائج بناها على مقدمات شخصية تخالف قواعد الشريعة المستقرة، فهذا يكون بفعله قد راغم الشرع ولم يقبله بالرضى والتسليم ولذلك قال أبو الزناد: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تُتبع بالرأي والتفكير ولو فعل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا وانتقلوا من دين إلى دين، ولكن ينبغي للسنن أن تُلزم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه)، وعليه قرر العلماء هذه القاعدة فقالوا: (لا اجتهاد في موارد النص) وإن ما عارض النص ففاسد الاعتبار.
والاجتهاد سواء كان من علماء الشريعة أو المختصين بالسياسة أو غيرها من العلوم ينقسم إلى قسمين:
1 - الاجتهاد المعتبر وهو من المختص الذي استكمل آلة الاجتهاد وتجرد عن المقاصد المنحرفة، وهؤلاء الذين قال الله عنهم: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). وهؤلا أن أخطأوا فما عليهم من سبيل.
2 - الاجتهاد غيرالمعتبر وهو الذي يكون ممن لم يكن مختصاً ولا تجرد عن الهوى، وليس عنده سوى الرأي لمجرد التشهي والتخبط في عماية الضلال، فهذا يجب أن يُبعد عن مواطن اتخاذ القرار كما اشترط الفقهاء لإبداء الرأي القدرة على ذلك والتأهل له ودعمه بالدليل أو الحقائق المدعمة بالأرقام والتجارب الناجحة، أو التي استفادت منها الأمم سواء في الأنظمة الإدارية أو المحاسبية أو المرورية وغيرها.
وأهم ما يُشترط في صاحب الرأي إرادة الحق والخير، وهذا من معاني الإخلاص في العمل والصدق في النصح، وحُسن الإدارة التي هي منوط خيرية العمل وصلاحه حتى قال أهل العلم: (الفرق بين أهل العلم وأهل الآراء أن العالِم، قد فعل ما أُمر به من حسن القصد والاجتهاد، بخلاف أصحاب الأهواء فإنهم (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ)، بل ويُلزمون الناس بآرائهم وكأنها شرع ودين معصوم!
كما أضاف الفقهاء قيداً آخر وهو النظر إلى مآلات الأمور، فمثلاً الرأي الموافق لقواعد الشريعة وإن كان مباحاً في الأصل غير أنه في بعض الأحوال قد يؤدي إلى مفسدة غالبة، وهو ينافي مقاصد الشريعة وسبب ذلك إما العجلة أو عدم تقدير المفاسد أو بسبب المقاصد السيئة. ومن هنا وضع الفقهاء قاعدة (سد الذرائع المفضية إلى المفاسد)، ومعناها تحريم أمر مباح إذا أفضى إلى مفسدة واستدلوا لذلك من امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين دفعاً لمفسدة أن محمداً يقتل أصحابه، وعليه قرر أهل العلم أنه لا يجوز لصاحب الرأي ولا المفتي أو السياسي أو العسكري أن يقرر رأياً مهما كان صواباً، إذا ترتب على ذلك مفسدة أعظم أو كان مثيراً للفتنة بين الناس. ومراعاة مآلات الرأي يتضمن ملاحظة الوقت المناسب، كي يبدى فيه الرأي ومدى تعلق أهل الفساد به وهل يفهمه من خُوطب به على وجهه أم لا؟
وعليه قرر علماؤنا هذه النتيجة فقالوا: كل رأي دل على الحق والصدق والخير مما فيه نفع للناس في أمور دينهم ودنياهم، فإن الشرع يقره ويقبله ويأمر به أحياناً ويجيزه أحياناً بحسب ما يؤدي إليه من المصلحة، فاستمسك بهذا الأصل فإنه نافع في مسائل كثيرة، ويمكنك إذا فهمته أن تطبق عليه كثيراً من الجزئيات والنوازل الواقعة ولا تقصر فهمك عنه فيفوتك خير كثير، وربما ظننت كثيراً من الأشياء بدعاً محرمة إذا كانت حادتة، ولم تجد لها تصريحاً في كلام الله فتخالف بذلك الشرع والعقل والفطرة السليمة.

الخلاصة:
قال عمر -رضي الله عنه-: أيها الناس اتهموا الرأي بالدين، فقد كدت أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره يوم أبي جندل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي