آفاق بيولوجية
«الإجهاد التأكسدي»... كيف يؤثر على طول العمر؟
رصدت دراسة رائدة وغير مسبوقة الدور الذي يمكن أن يلعبه «الإجهاد التأكسدي» في التأثير على طول العمر لدى الكائنات الثديية عموما، بما فيها الإنسان.
ما العوامل المؤثرة التي يمكن أن تحدد العمر المتوقع للكائن الحي؟
الإجابة الشائعة حالياً عن هذا السؤال تقول إن عمر الكائن الحي يرتبط بعوامل جينية موروثة عن أسلافه، وعوامل أخرى تتعلق بالبيئة.
لكن السؤال التالي هو الذي انطلق منه باحثون من جامعة ميتشغان الأميركية سعيا إلى الإجابة عنه: إذا امتلك كائنان من نوع واحد المادة الجينية نفسها تماماً، وعاشا ضمن الظروف البيئية نفسها تماماً، فهل سيعيشان المدة نفسها وسينتهي عمريهما معا بالضرورة؟
ووفقا لنتائج الدراسة التي نشرتها مجلة «نيتشر» (Nature) العلمية المتخصصة، فإن الإجابة عن ذلك السؤال جاءت بالنفي.
فلقد اكتشف الباحثون أن هذا ما يحدث لدى فصيلة من الديدان الحلقية التي تعرف باسم الغيلسيميوم، إذ إن الأنثى الواحدة تضع مئات البيوض الحاوية على ديدان متماثلة جينياً تماماً إلى درجة يمكننا معها القول إنها جميعاً توائم حقيقية. ولوحظ أنه حتى إن عاشت تلك الديدان الوليدة في الوسط البيئي المختبري ذاته، فإن أعمارها تتفاوت بشكل كبير فيما بينها، حيث تتراوح بين 3 أيام وحتى 20 يوماً.
عند ذلك تساءل الباحثون: هل هنالك ثمة عوامل أخرى غير الجينية والبيئية يمكن أن تؤثر في متوسط العمر المتوقع للكائنات الحية؟
سعى الباحثون إلى استقصاء الإجابة من خلال إجراء تجارب متعمقة على ديدان الغيلسيميوم، ووجدوا أن تلك الديدان تتفاوت بشكل كبير في مقدار ما تنتجه من النوع الأكسجيني التفاعلي (ROS) الذي هو عبارة عن عامل مؤكسد تنتجه أجسام جميع الكائنات التي تتنفس الأكسجين، ويرتبط مستوى إنتاجه بوتيرة شيخوخة الجسم.
واستناداً إلى ذلك، قام الباحثون بتعريض مجموعة كاملة من ديدان الغيلسيميوم لمصدر خارجي موقت من الأكسجين التفاعلي في أثناء نموها، وهو الأمر الذي لاحظوا أنه أدى إلى تغيرات في مادة أخرى هي مُعدِّل الهيستون، وهي التغيرات التي حفزت وتيرة «الإجهاد التأكسدي» لدى الديدان.
والإجهاد التأكسدي في الجسم هو مصطلح يشير إلى حالة من عدم التوازن في منظومة العوامل المؤكسدة من ناحية والعوامل المضادة للتأكسد من ناحية ثانية. ويلعب الإجهاد التأكسدي دوراً كبيراً في مختلف الامراض لدى الانسان، كما أنه يؤثر على وتيرة الشيخوخة ومتوسط العمر.
ولاحظ الباحثون وجود علاقة عكسية بين الإجهاد التأكسدي ومتوسطات أعمار جميع الديدان، بمعنى أن زيادة الأول تعني نقصان الثاني، كما أن نقصان الأول ترتبط بزيادة الثاني. وأوضح الباحثون أن مُعدّل الهيستون يثير الإجهاد التأكسدي ذاته في خلايا جميع الثدييات، وأن تجارب سابقة كانت قد أظهرت أن التداخلات الإجهادية في أجسام فئران تجارب أثرت على متوسطات أعمارها زيادةً أو نقصاناً.
وخلصت الدراسة البحثية إلى أن ذلك الإجهاد التأكسدي الذي يتعرض إليه الكائن يلعب دوراً في تحديد عمره، كما يؤثر على وتيرة شيخوخته وإصابته بالأمراض المرتبطة بالشيخوخة كالخرف وألزهايمر.
وفي ضوء تلك النتائج، سيعمل الباحثون مستقبلاً على فهم الآلية التي يؤثر بها الاجهاد التأكسدي، وما إذا كان ممكناً كبح ذلك الإجهاد بما يسهم في زيادة فرص طول العمر.