في شهر مايو الماضي وما جاوره من الأشهر قبلُ وبعدُ، كان المشهد السياسي المرتسم على مياه الخليج على غير ما هو عليه الآن بنسبة كبيرة على الأقل، كانت طبول الحرب بين أميركا وبعض من النظام العالمي من ناحية وإيران من ناحية أخرى تُقرع بحسب رأي كثير من المراقبين، كانت الحوادث البحرية من قبل إيران تجاه السفن العابرة للخليج متتالية، والتهديدات متتالية أيضاً: «لن يعبر برميل نفط واحد من مضيق هرمز ما ظلت إيران عاجزة عن تصدير نفطها»، هكذا كانت التصريحات الإيرانية شبه اليومية، على ذات المنوال كان هناك هجوم حوثي بأسلحة إيرانية على السعودية تقريبا كل يوم، ما بين صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، وتهديدات إيرانية بالتحلل تدريجياً من الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى بما تريد إفهامه للمجتمع الدولي أنها على وشك تملك القنبلة النووية نتيجة هذا التحلل من التزاماتها! هكذا كان المشهد قبل أشهر عدة فقط.
وقتها كان هناك استعجال من بعض السياسيين للرد العسكري، الذي ينادون به ضد هذه التصرفات وكانوا يرون الحرب قائمة لا محالة.
وقتها أيضا أطلقتُ على هذه السياسية الإيرانية في إحدى المقالات سياسة «العض مقابل الخنق»! وقلت - كما كان واضحاً من تصريحات وتوجهات الدول الكبرى والدول الخليجية أيضاً - إن المعركة اقتصادية فقط وستؤتي ثمارها بكل تأكيد، والثمار المرجوة من قبل دول الخليج هي التزام إيران بالسلم الدولي والقواعد العامة للجيرة الجغرافية والسياسية فقط من دون أي توجه آخر لدى دول الخليج ضد إيران.
اليوم تغير هذا المشهد في مياه الخليج، فلم نعد نسمع عن أي حوادث تجاه السفن العابرة له، أكثر من هذا: ليس هناك تصريحات إيرانية لمنع دول الخليج من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز، كردة فعل للعقوبات ضد إيران! لم تعد هناك أي هجمات حوثية على السعودية لا صواريخ ولا طائرات مسيرة!
سكتت طبول الحرب التي كانت تُقرع يومياً وصرنا لا نتحدث عن رد عسكري أو مواجهات، هل آتت العقوبات ثمارها وأهدافها ؟ هل كان «طول بال» القوى العالمية ودول الخليج على الاستفزاز الإيراني في محله؟ لا نحتاج إلى كثير من التفكير للجواب على هذه الاسئلة بـ نعم... الحرب منذ بدايتها اقتصادية، والدول تعمل وفق خطط مرسومة وأهداف مرجوة لا وفقاً لتصريحات عنترية يتم خديعة بعض الشعوب بها.
كثير من الدول قبل إيران حاولت الخروج عن «النظام العالمي»، لكنها جلبت الخراب والويلات على شعوبها ومستقبلها، العراق... ليبيا... كوبا... السودان أمثلة ليست ببعيدة عنا، وبغض النظر عن هذا النظام... عادلاً كان أم ظالماً... منصفاً أم مجحفاً، لكنه يبقى القوة الحاكمة والمسيطرة، الدول التي تتحمل مسؤولية شعوبها تجاري هذا النظام بما تتقاطع معه المصالح ولا تقف ضد التيار اعتماداً فقط على الشعارات والخطب الرنانة، وللأسف هذا ما تنتهجه السياسة الإيرانية، ولهذا أسكتت هذه القوة العالمية أصوات طبول الحرب بإرادتها لا بإرادة الشعارات!
@lawyermodalsbti