«الشلمسطي»... والثورة اللبنانية

تصغير
تكبير

«نحن قوى أمنية مندعس عرقبتك، ما تفكّر حالك شلمسطي على شلمسطيين... ولي. نحنا الدول».
بهذه العبارة النابية توجه ملازم في قوى الأمن اللبناني إلى أحد المتظاهرين في شوارع بيروت في حادثة مهينة وصلت أصداؤها إلى العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الحادثة تعكس بشكل واضح وعميق سقوط الدولة اللبنانية على كل الأصعدة ولعل أبرزها السقوط الأخلاقي.
الشلمسطي، بحسب التعريف السوقي، هو الشخص الحذق والمتجبّر، الذي يستطيع فرض نفسه على أبناء حارته ومجتمعه، إما بالخداع أو بالقوة. الملفت في كلام العنصر الأمني، رغبته بالتشبه بصورة الشخص أو الفكرة التي يحاربها رجل القانون عادة وتكريس حياته في سبيل مقارعتها. فعندما يفاخر رجل القانون ويجاهر بأنه حقيقة من الأشقياء وبأنه قادر على أن «يدعس» على رقاب المواطنين، فهذا الأمر يؤكد أن الثورة الشعبية على هذا النظام اللبناني الفاسد هو حاجة ليست فقط ملحة بل أيضاً حتمية، وأن النظام برمته قد أصيب بمرض عضال سرطاني.


في يوم الإشكال «الشلمسطي» هذا، حدث إشكال آخر مماثل أمام إحدى محطات الوقود بين فتاة ودورية للشرطة كانت تزود آلياتها بالوقود.
دانا حمود كانت واحدة من المعترضين على تصرفات الدورية وبعض عناصرها الذين حصلوا على الوقود خلافاً للمنتظرين على أبواب المحطات المغلقة احتجاجاً على عدم قدرتها على دفع ثمن الوقود المستورد بالدولار الأميركي. قيام أحد عناصر الأمن بشتم دانا ورفاقها أخرج الفتاة الثائرة عن طورها، فتجرأت واعترضت، مواجهة الدورية والضابط المسؤول، ربما بأسلوب غير لائق حسب ما رآه البعض، ما دفع بالضابط إلى الاعتداء الجسدي عليها وتكبيلها بالأصفاد تحت ذريعة أنها هاجمت آلية عسكرية.
اعتقال دانا دفع بالمئات من الثوار والمحامين الى النزول الى الشارع وتطويق مراكز شرطة عدة بعد قيام السلطة بتهريب الفتاة ومنع المحامين من الوصول إليها، وهو حق تؤكد عليه الشرائع والقوانين الدولية عامة والدستور اللبناني خاصة. قضية دانا انتهت بإفراج القضاء العسكري عنها بما يعتبر «فرك أذن» لها ولغيرها من الثوار، لكن أسلوب الأجهزة الأمنية هذا بات يعمق الهوة بين المواطن والجسم الذي أقسم على حمايته.
الضابط الأرعن الذي صرخ جهاراً «نحنا الدولة»، نسي أن السلطة هي للشعب، وأن دانا ورفاقها من الثوار هم الدولة العميقة والحقيقية، وأن اللباس العسكري الذي يمجده البعض هو مجرد قطعة من القماش الرخيص إن كان من يعتمرها كائناً منفصلاً عن ثقافة وروح القانون وحكمه.
لبنان أو أي بلد آخر لن يُبنى من قبل الشلمسطية أو أناس يمجدون القوة والبطش، بل سيبنى بسواعد نساء ورجال يرفضون الذل والخنوع لطبقة من رجال العصابات والساسة الذين سخّروا الدولة وأجهزتها كافة لمصلحة هوسهم بالسلطة والمال.
سلطة رجل القانون لم تهان بالأمس في شوارع بيروت، بل اهينت من ذي قبل مراراً وتكراراً عندما ائتمر من قبل قادته بالسماح لـ«الجنجويد» اللبناني - الإيراني بالاعتداء على المتظاهرين في ساحات الاعتصام، إن كان في بيروت أو في صور وبعلبك من دون القيام باعتقال أي منهم أو زجّه في السجن.
سيدي الملازم... نحن الثوار لسنا بشلمسطية وأنت لست كذلك.
نحن ببساطة مطلقة مواطنون نحلم بأن يسود حكم القانون والعدالة فوق أي سلاح غير شرعي من أجل أن تصبح للدولة هيبة حقيقية تتجاوز تمجيد القوى والأصنام البائدة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي