المجتمع ساخط على كل شيء تقريباً، ومن كل شيء أيضاً، نمارس عملية النقد والاستهزاء وترديد العيوب والمثالب كما نمارس عملية التّنفس بالضبط، في كل لحظة على مدى ساعات اليوم، أظن أننا حتى ونحن نائمون فإن عقلنا يمارس النقد و«التحلطم».
امتهان السخط والتذمر أخطر مرض قد يواجهه أي مجتمع فهو يدمره أكثر ما تدمره الحروب والكوارث، ثلاث إشارات توضح الفكرة لك تماماً، وأنت بالتأكيد تراها اليوم في المجتمع، الأولى: انظر إلينا كيف نبحث عن الفضائح والأخبار السيئة والتهم والمشاكل وكيف نفرح بها وكأنها بشارات، ويتناقلها الناس ويتسابقون في نشرها أولاً أو من لديه تفاصيل أكثر! والثانية: نحن نصدّق مثل هذه الأخبار من دون أدنى محاولة للتأكد من صحتها لأنها توافق هوانا ومبتغانا وتدغدغ مشاعرنا التي فسدت! لذا لا أحد لديه أي استعداد لتكذيبها أو حتى السعي نحو التدقيق في مثل هذا الخبر، والثالثة: أننا بتنا في المجتمع مثل حكم كرة القدم يلهث ركضاً خلال فترة المباراة كلها للبحث عن خطأ! همّه الأول والأخير في الملعب البحث عن أخطاء اللاعبين، هل سمعتم عن حكم يستمتع بمباراة أو أهداف مهما كانت جميلة!
النقد قد يكون واعياً، وهو مفيد وضروري حين يكون واعياً وهو سر من أسرار النجاح، لكن السخط مدمّر حين يكون حالة عامة في المجتمع فكيف إذا كان لا واعي! والسخط اللاواعي هو أن تكون ساخطاً من أجل السخط نفسه، أن تمارسه على أنه وظيفة حياتك اليومية، أن تنشغل به لتتمتع لا لتعالج أو تحل مشكلة.
تمر المجتمعات والدول اليوم بأزمات سياسية تكاد تودي باستقرارها أحياناً، وأهم ما في هذه الأزمات وأخطرها هي تلك الآثار الاجتماعية التي تأكل جسد المجتمع من دون أن يحس بها أحد حتى تستبين آثارها بعد مدة.
السخط... النقد... الاستهزاء... تسليط الأضواء على الأخطاء... الإشاعات... أخذ الناس بالشبهات... كل هذا أصبح اليوم وظيفة! تُدفع من أجلها المبالغ وتُقضى من خلالها الحاجات! وقبل هذا أصبحت هذه الآفات هي الباب الأوسع لولوج عالم الشهرة السياسية وكثرة المتابعين وبها ومن خلالها تستطيع أن تبني لك مكانة في المجتمع ومركز قوة يهابك بعدها كل أو أغلب الناس! أليست هذه حقيقة ما نراه اليوم؟! أليس ذوو الألسنة الطوال هم أصحاب القوة اليوم! أليس من يوزع الاتهامات يميناً وشمالاً من دون مراعاة لصدقها هو من يتسيد هرم العمل السياسي يرتجي رضاه ويخافه الكبار قبل الصغار!
هذه الصورة مهما كانت مفزعة لكنها حقيقة المجتمع اليوم للأسف... السخط اللاوعي دمار للمجتمع أكبر من دمار الحروب.
@lawyermodalsbti