تحذيرات من اختفاء «مهندس الصحراء» من البر في ظل الصيد الجائر والدهس

الضب الكويتي... يُباد

تصغير
تكبير

محمد الصائغ: 

- الضب مهدّد بالأخطار لكنه ما زال قادراً على أن يقف بوجه التهديد بالانقراض

- كثيرون لا يعرفون قيمته ودوره المهم في التخضير

شبيب العجمي:

- استمرار صيده أدى إلى اختفائه تقريباً في المواقع الصحراوية غير المحمية

- الممارسات زادت بعد انتشار معلومة غير صحيحة بأن للحمه وشحمه فوائد طبية

فنيس العجمي: 

- غير صحيح ما يقال عن أنه علاج لضعف العين أو للحصبة أو للعظام بل هو عالي الكوليسترول

- أكثر من نصف ضبان الكويت اختفت ولم نعد نشاهدها إلا في المحميات والمناطق العسكرية 

عادل السعدون: 

- اتركوا هذا الحيوان الضعيف فأنتم لستم هلكى من الجوع

- عملية صيده جائرة تهدف للاستعراض لصيد أكبر عدد والتباهي به

 

صرخات تمنى أصحابها ألا تذهب أدراج الرياح، قبل أن تقع الفأس في الرأس ويحدث ما لا تحمد عقباه.
صرخات التحذير أتت من أكاديميين وناشطين بيئيين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من الضبّان الكويتية!
الضب الكويتي، الذي يسميه أهل الميدان، بمهندس الصحراء، يتعرض لعمليات إبادة تتمثل في اللهو به من قبل الأطفال بمجرد خروجه من البيض، أو الدهس من الكبار، الأمر الذي أدى إلى تناقص أعداده بشكل كبير، قدّرها بعض الناشطين بالنصف، غير أن الرأي الأكاديمي أكد استحالة الجزم بالأعداد المتناقصة لعدم وجود دراسات معتمدة في هذا الصدد.
الضب الكويتي، الذي يصنفه أصدقاؤه من رواد البر كسحلية وطنية، لما يقوم به من دور في نقل حبوب اللقاح والمساهمة في اخضرار البر، يتسم بالكرم، فهو يقوم بحفر جحره الذي لا يؤويه بمفرده وإنما ليستوعب معه عدداً من الحيوانات الأخرى مما يشكل منظومة من التوازن البيئي، تختل بفعل ما يتعرض له هذا الحيوان من أذى.
وللحفاظ على الضب، تصاعدت مطالبات بيئية بوقف الصيد الجائر والتوقف عن معاملته بشكل سيئ، في ظل وجود دراسات كويتية أكاديمية، تؤكد أن أعداد الضبان داخل محمية صباح الأحمد أكثر منها خارجها، ووزنها كذلك أكبر. وعلى الرغم من عدم جزم عدد من المختصين بالتغذية بفوائد أو أضرار لحم الضب الذي يأكله البعض، أكد عدد من الناشطين البيئيين أن العلم الحديث نفى ما يشاع عن فوائد لحومه وشحومه.
الأستاذ المساعد في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور محمد الصائغ المتخصص في حماية البيئة البرية، والذي غطت رسالة الدكتوراه الخاصة به كثيراً من القضايا المتعلقة بالضب، قال «لا بد من التفريق بين الحيوانات المهددة بالانقراض والأخرى المعرضة للأخطار. الضب اليوم مهدد بالأخطار ولم يتم تصنيفه بأنه معرض للانقراض، لأن هذا الأمر له مواصفات لا تنطبق عليه كونه ينتج صغاراً بشكل دائم»، لافتاً إلى أن «لدينا مشكلة في البيئة الطبيعية للضب الذي يعاني من الصيد الجائر وتهديد بيئته الطبيعية، وإذا استمر هذا الوضع فقد يؤدي ذلك لانقراضه، ولكن لأنه ينتج أعداداً كبيرة من البيض فإنه حتى الآن ما زال قادراً على أن يقف بوجه التهديد بالانقراض».
وشدد الصائغ على أن «طريقة التعامل معه في بر الكويت سيئة جداً، إذ إنه علمياً غير مهدد بالانقراض بيد أنه يعاني من ممارسات تهدد بيئته وبيئة الكائنات الحية الأخرى، فهو يتعرض لعملية إبادة ويعامل كأنه لعبة أو أداة تسلية»، مشيراً إلى أن «الضب من السحالي الوطنية في الكويت ولكن قيمته غير معروفة للكثير، رغم أنه يلعب دوراً مهما في عملية التخضير ويساعد على نشر حبوب اللقاح كون حركته اهتزازية فهو مهندس بيئي نحن في حاجة شديدة له».
وبيّن أنه «لا توجد دراسات علمية مسحية تحدد كثافة أعداد الضب في البر الكويتي، وبالتالي لا يمكن الجزم بأن أعداده قلت للنصف، لكن ما أستطيع تأكيده أنه يواجه صعوبة في الحياة وهذا ما أثبته بحثي، حيث وجدت أن الكثافة العددية للضبان داخل المحمية أكبر منها خارج المحمية، وكذلك وزن الضب داخل المحمية يزيد على وزنه خارجها، وما يحدث للضب هو جريمة بيئية»، مناشداً الجميع أن «يحرصوا في استقائهم المعلومات البيئية أن تكون من المصادر الموثوقة حتى تكون معلومات يعتد بها وليست مجرد كلام يتم تداوله».
بدوره، أكد رئيس فريق «حلم أخضر» شبيب العجمي انه «في الآونة الأخيرة انتشرت بشكل كبير التجاوزات الخاطئة على الحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني، حتى بلغت حدّ التسابق والاستعراضات شبه اليومية لما يمكن وصفه بجرائم، سواء كانت بالاحتطاب العشوائي (قطع الأشجار المعمرة وغيرها بشكل عشوائي وغير مدروس لهدف اشعالها في الشتاء) أو بالصيد الجائر والتي تصدر عن فئات يغلب عليها صغر السن أو الطيش من دون إدراك خطورة هذا الأمر على حياتنا وبيئتنا بالمستقبل».
وشدد على أنه «كما هو معلوم، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق أي كائن حي في هذه الحياة عبثاً بل إن لكل منها دورا مهما ليكون متمماً لسلسلة غذائية وحياتية تساهم بتواجد غيره من الكائنات الحية»، موضحاً أن «استمرار صيد الضبان حالياً بشكل كبير أدى إلى تناقص أعدادها وانعدامها تقريباً مقارنة بالسنوات الماضية».
وتابع «للأسف زادت هذه الممارسات بعد انتشار معلومة بين الشباب بأن لحم الضبان وشحومها ذات فوائد طبية، وهذا ما نفاه الطب الحديث، وحذر من مخاطر أكلها لضرره على الصحة حيث يحتوي على كوليسترول عالٍ جداً لأنه من الحيوانات ذوات الدم البارد»، معتبراً أن «الحل يكمن في وقف الصيد الجائر، فقد قمنا على سبيل المثال بتخصيص محمية منذ العام 2014 إلى 2018 لإكثاره ونجحنا في ذلك، ومن ثم أطلقناه في المحميات الطبيعية حيث زادت أعداده بهذه المحميات بشكل مرض لنا».
وبيّن أن «الضبان تقريباً اختفت في المواقع الصحراوية غير المحمية، بينما في المحميات الطبيعية بدأ عددها يزداد»، مقترحاً بأن يكون «هناك لجنة متخصصة للحفاظ على الحياة الفطرية والتنوع البيولوجي وإكثار الضبان، ويجب أن تضم متخصصين من هيئتي الزراعة والبيئة وجامعة الكويت وشركات النفط ومعهد الكويت للأبحاث، مع الاستعانة بالمتطوعين للعمل على إكثار الحيوانات البرية، كما هو معمول في السعودية والإمارات وعمان وهذا ما نحتاجه في الكويت».
إلى ذلك، حذر الناشط البيئي الدكتور فنيس العجمي من أن «الضب اختفى من أغلب الأماكن التي كان يتواجد بها، بعدما كان يملأ مناطق السالمي والبر تجاه الدائري السابع وقبالة الوفرة وميناء عبدالله، والسبب الرئيسي لاختفائه هو الصيد الجائر، بالإضافة إلى المخيمات والمشاريع التجارية الضخمة».
وحذر من أن «كل هذه العوامل أدت إلى تناقص أعداد الضب في الكويت، وهذا سيؤدي إلى أنه سيصبح حيواناً نادراً وسيختفي إذا استمر هذا الوضع»، مشيراً إلى أن «كل حيوان له دور. والضب حيوان زاحف مسالم موجود منذ آلاف السنين وله دور في التوازن البيئي ونقل البذور... واختفاؤه واختفاء الأحياء الأخرى من البر يعد مؤشراً خطيراً».
وبيّن أن «هناك مساحات شاسعة في البر لا نجد فيها إلا القمامة وأكياس البلاستيك، فيما اختفى الضب والجربوع والثعلب وغيرها من الحيوانات»، مقدراً بأن «أكثر من نصف ضبان الكويت اختفت وأصبحنا لا نشاهد الضب إلا في المحميات والمناطق العسكرية والأماكن التي يمنع دخول الجمهور لها».
ولفت إلى أن «هناك فرقاً نجحت بالمساهمة في إكثاره مثل فريق حلم أخضر الذي يتولى مسؤوليته الناشط شبيب العجمي، وهناك برامج في المملكة العربية السعودية نجحت في إيقاف الصيد الجائر».
وأكد «عدم صحة الادعاءات التي يتم تداولها حول الضب أو أنه علاج لضعف العين أو علاج للحصبة أو أنه جيد للعظام، وهذا كله غير صحيح، والدراسات أثبتت أنه يحتوي على نسبة عالية من الكوليسترول وشكله غير مهيأ للأكل، وبالتالي على الناس أن تحترم هذه المخلوقات وتتوقف عن العبث بها لأنه بات لديهم هوس بقتل أي شيء يتحرك وتصويره».
وطالب بأن يكون هناك «برامج تهدف لإكثار الحياة الفطرية المختلفة سواء كانت طيوراً أو زواحف أو حيوانات لأن اختفاءها مؤشر خطير وسلبي»، مضيفاً انه «على رواد البر احترامه واحترام ما به من مخلوقات وأشجار، فبر الكويت يكاد يخلو من الكائنات الحية وبالتالي الواجب علينا المحافظة، والجهات الرسمية لها جهود مقدّرة نتمنى زيادتها وزيادة المشاريع على مستوى الدولة للحفاظ على الكائنات الحية».
بدوره، قال الفلكي والمؤرخ عادل السعدون «الضب مخلوق صحراوي عاش في الكويت منذ زمن بعيد، وكان يتم صيده بسبب البروتين الذي يحتوي عليه لحمه، فهو حيوان معظم أكله من النباتات»، لافتاً إلى أنه «الآن باتت عملية صيده جائرة وتهدف للاستعراض لصيد أكبر عدد ممكن والتباهي بهذا العدد».
وشدد على أنه «لا بد من الحفاظ على بيئتنا فالنباتات تضررت والحيوانات تضررت بسبب التصرفات الخاطئة»، مردفاً بالقول «اتركوا هذا الحيوان الضعيف فأنتم لستم هلكى من الجوع، وأطالب الهيئة العامة للبيئة بأن ترصد هؤلاء الأشخاص وتخالفهم لأن كل حيوان متصل بحيوان آخر ما يؤدي إلى توازن البيئتين الحيوانية والنباتية وكل له دوره، حتى الجربوع له دور وأتمنى التوقف عن هذه الأعمال الجائرة».

عن الضب

الاسم العلمي: السحلية شوكية الذيل.
الغذاء: يتغذى على الشجيرات وغيرها من المواد النباتية.
البيئة: يعيش في البيئة الصحراوية ذات الأرض الصلبة أو الترابية أو المكونة من صخور هشة.

مضرب للمثل

قال الداعية خليل الحمادي إن «الضب حيوان معروف يضرب فيه المثل في طول العمر، وكانت العرب تقول (لا آتيك حتى يرد الضب) ويقصدون أن الضب لا يرد الماء، وأهل الصناعة المهنية بحياة الحيوان يقولون إن بينه وبين العقرب مودة ولذلك يأويه إلى جحره ليتقي به من يؤذيه، وأنثى الضب يضرب بها المثل بالعقوق لأنها تأكل صغارها».

اختلاف في جواز أكله

ذكر الحمادي أن «الضب يكثر في الصحاري العربية واختلف العلماء في جواز أكله، فذهب الشافعية والحنابلة إلى جوازه مستدلين بما ورد في ذلك من أحاديث صحيحة ومنها ما جاء في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال لا آكله ولا أحرمه، وذهب الأحناف إلى تحريمه والمالكية إلى الكراهة، والأرجح ماقاله الشافعية والحنابلة لقول العلامة ابن عثيمين وبن باز رحمهما الله».

تعذيبه محرّم

لفت الحمادي إلى «مسألة ينبغي التنبيه إليها وذلك أن البعض يسيء في الحصول على الضبان بأن يعذبها أثناء صيدها، وهذا محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته، فمثلاً اذا كان بالإمكان استخراج الضب بالماء فإنه لا يجوز استخراجه بالنار لأن النار تؤذيه، وقس على ذلك الأساليب الأخرى في صيد الضب»، لافتاً إلى أن «الناس أطباع وأذواق لذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكله».

فوائده الغذائية غير ثابتة

سألت «الراي» عدداً كبيراً من خبراء التغذية بشأن الرأي الطبي في أكل لحم الضب، وكان الجواب غير شاف، وجاء نصه «لا نعلم إذا كان هناك مخاطر من أكل الضب أم لا، ولا نعلم مدى صحة ما يقال بأن لحم الضب غني بالبروتين، لأنه لا يوجد دراسات حول هذا الأمر كون الأجانب لا يأكلون الضب أصلاً وبالتالي لم يجروا دراسات عن هذا الموضوع».

مخلوق اجتماعي

ذكر الدكتور محمد الصائغ أن «الجحر الذي يحفره الضب يقوم بحفره بآلية معينة تساعده على أن يأوي معه عددا آخر من الكائنات الحية، وبالتالي فإن ما يتعرض له من قبل الأطفال الذين يلعبون به فور خروجه من البيض فضلاً عن عمليات الدهس التي يتعرض لها في البر يعد من الأخطاء الفادحة»، مؤكداً في الوقت ذاته «لا أستطيع الجزم إذا كان لحمه مفيداً أو غير مفيد ولكن ما أستطيع قوله إننا غير معتادين على أكل الضب فهو حيوان لم يخلق للأكل وقد كان في السابق يحدث ذلك بسبب شح الطعام أما الآن فلا يوجد داع لذلك».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي