لاءاتٌ مُتقابِلَة تشي بتصريف أعمال يستمرّ طويلاً
لبنان أمام «مُنازَلة الشارعيْن» اليوم...
يقف الجميع في بيروت، السلطة والثورة، «على سلاحه» في ملاقاة يوم الثلاثاء وكأنه الساعة صفر لفصْلٍ جديدٍ من المواجهةِ التي تتّضحُ معها اتجاهاتُ الريح لحظةَ الكشف عن «كلمة السرّ» في شأن الشخصيّة التي ستُكَلَّف تشكيل الحكومة «المحتمَلة» وطبيعتها.
ورغم أن «أحدَ الشارع» اليوم، سيشكّلُ منازلةً في الميْدان عبر عرْضِ قوةٍ اختارَه «الحزبُ الحاكِمُ» أي «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) بحشْدِ مُناصريه على الطريق إلى القصر الجمهوري لإعادة الاعتبار لمكانته، فإن الانتفاضةَ الشعبيةَ قرّرتْ جعْلَه يوماً للوحدةِ في وجه الائتلاف الحاكِم.
وعلى وهْج عصْف الناس في الشارع، بين السلطة والثورة، يستكمل تَحالُفُ فريق عون و«حزب الله» رَسْمَ السيناريواتِ المرتبطةِ بالمرحلةِ المقبلة في ضوء حساباتهما المحلية والإقليمية، والقيام بـ«محاكاةٍ» تتناول الحكومةَ العتيدة، رئيسها، طبيعتها حجمها، وجدول أعمالها ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وفي اليوم الـ17 على الانتفاضة في لبنان والرابع بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، بدت البلادُ التي مرّرتْ بأقلّ الخسائر «قطوعَ» معاودة المصارف فتْح أبوابها (الجمعة) في أعقاب توقفٍ عن العمل لـ12 يوماً متتالية، في دائرة انتظارٍ ثقيلٍ و«على الحامي» لكيفيةِ توفيرِ «سكةٍ آمنة» لتشكيل الحكومة الجديدة العالقة بين:
* أولاً «الخط الأحمر» الذي حدّده الشارع المليوني حيال أي حكومة تكون نسخة عن التي تم إسقاطها، وسط مُطالَبةٍ بتشكيلةٍ إنقاذية مصغّرة غير سياسية ومن اختصاصيين، تمهّد لانتخابت نيابية مبكرة.
* ثانياً الاعتبارات التي تتحكّم بمقاربة الأفرقاء السياسيين الرئيسيين لهذا المنعطف بارتداداته السُلْطوية والاستراتيجية، وما قد يعنيه التسليم بمطالب «الثوار» لجهة قيام حكومة غير سياسية من وضْع البلاد أمام مشهدٍ مختلف تماماً لن يكون ممكناً قراءته إلا بـ«عيْن» إقليمية.
وبين هذين الحدّيْن تجري المشاوراتُ المكثّفة خلف الأبواب المقفلة لإيجاد «ترياقٍ» للأزمة التي دهمتْ البلاد تحت عناوين مطلبية (اقتصادية ومعيشية وذات صلة بالفساد المستشري وإدارة السلطة لهذه العناوين) تصبّ بالنهاية في «أصْل المشكلة» المتمثّل في مجمل الواقع السياسي الذي يسترهن الدولة وماليتّها واقتصادها اللذين وصلا إلى حافة انهيارٍ مريع.
وعشية تحديد موعد للاستشارات النيابية المُلْزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة والذي يُرجّح أن يكون الثلاثاء او الأربعاء وليوم واحد، رستْ السيناريوات ذات الصلة بالتكليف والتأليف على احتمالاتٍ تنطلق من لاءات الأطراف الأساسية والتي تتلخّص بالآتي:
* الحريري الذي يريد العودةَ إلى رئاسة الحكومة بشروطه بعدما قلَب الطاولة بوجه شركائه في التسوية السياسية (عون و«حزب الله») تحت ضغط الشارع، يرفض ترؤس حكومة سياسية تدير الظهر لانتفاضة اللبنانيين، ويتمسك حتى الساعة بتشكيل حكومة تكنوقراط، ولن يعمد إلى تزكية أي شخصية سنية بديلة عنه، وسط انطباعٍ بأن رئيس الحكومة المستقيلة وَضَع معادلة إما أعود بشروطي وإما احكُموا لوحدكم.
* «حزب الله» لن يسير بأي حكومة تكنوقراط صافية، لاقتناعه بأن من شأن هكذا تشكيلة فتْح الباب أمام واقعٍ جديد متفلّت من كل قواعد اللعبة التي تمت إدارة الواقع اللبناني بموجبها منذ 2005 والتي جرى فرْضُها بالتطويع أو القوة أحياناً، وفي الوقت نفسه يُخِرِج الحزب من «العباءة الحكومية» التي تشكّل نوعاً من «الحصانة» له في مواجهة الهجمة الأميركية عليه بالعقوبات ويعيد ترسيم الحدود بين الدولة والحزب.
كما أن «حزب الله» لن يذهب إلى حكومة مواجهةٍ مع المجتمع الدولي سيشكّلها إي دفْع نحو تشكيلة سياسية من لون واحدٍ وبرئاسة غير الحريري، تستنهض معارضة واسعة في الداخل وتضعه وجهاً لوجه أمام الخارج وبيده «كرة النار» المالية - الاقتصادية.
* «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل، لا يمانع عودةَ الحريري إلى رئاسة الحكومة ولكن بـ«شروطنا»، أي مع رفْضِ قيام حكومة تكنوقراط لأنها ستعني (في ظل ترؤسها من الحريري) سيطرةَ «فريق سياسي على السلطة التنفيذية»، وسط معادلةٍ ضمنية أطلت برأسها على قاعدة «إذا لم يترأس الحريري الحكومة فلا دور له في تسمية الرئيس المكلف» وأي تفكير في إقصاء حزبٍ أو سياسيّ (باسيل) عن التشكيلة سيعني قفْل باب عودة زعيم «تيار المستقبل» إلى السرايا.
وفي ظلّ هذه اللاءات المتقابِلة، يتم «رمي» سيناريو «تَسْوويّ» يقوم على تشكيل حكومة مختلطة أي تكنو - سياسية ومصغّرة (بين 16 و24 وزيراً) كحلٍّ وسطٍ دونه تعقيداتٌ في مقدّمها رفْض الحريري حتى الساعة عودة وجوه «مُستَفِزّة» تم وضْعها من الشارع على رأس لائحة الـ«MOST WANTED» كالوزير باسيل وآخرين، وليس انتهاءً بأن الشارع لن يكون بوارد الموافقة على مثل هذه التركيبة، وبينهما اعتبار تحالف عون - «حزب الله» أن أي «فيتوات» على حكومةٍ تكنو - سياسية سيفتح الطريق أمام إمكان اختيار شخصية سياسية مقبولة من الخارج.
وإذ يبدو واضحاً أن مساريْ التكليف والتأليف يسيران جنباً إلى جانب في الكواليس، وسط اعتبار أوساط سياسية أن هذا الأمر الذي يظْهر فريقُ رئيس الجمهورية في واجهته يشكّل تجاوزاً للدستور ومساً بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف، فإن مصادر مطلعة ترى أن مجمل الأزمة المستجدة في لبنان تجري على رقعة الشطرنج الاقليمية وهو ما كان عبّر عنه بوضوح الموقف الإيراني.
وفيما لا تستبعد هذه المصادر سيناريو «تعليق» الواقع الحكومي على حبال المأزق الحالي لأشهرٍ من ضمن لعبة انهاكٍ داخلية أو مقايضاتٍ إقليمية، كان لافتاً أن يطّل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في كلمته أول من أمس على البُعد الإقليمي من الأزمة، بحديثه عن «الدور الأميركي الذي يمنع اللبنانيين من الخروج من مشاكلهم الماليّة والضغوط على لبنان من أجل خدمة سياسة عدائية ليفرضوا شروطهم»، داعياً من هذا المنطلق إلى «حكومة سيادية حقيقيّة (...)» بعيدة عن «الإملاءات الأميركية والغربيّة (...)».
وفي هذا الوقت، تتجه الأنظار اليوم إلى ما يشبه «المكاسرة» في الساحات الذي ستشهد في يوم واحد استقطاباً غير مسبوقٍ يظهّر بلا لبس صورة «الشارعيْن»، الأول سيزحف الى القصر الجمهوري دعْماً لعون وعهده، في موازاة دعواتٍ لـ«أحد الوحدة» المليوني الذي يُراد له ان يستعيد مشهدية الحشود إما مركزياً في اتجاه وسط بيروت أو على في ميادين المناطق المترامية وذلك من ضمن قرار بإبقاء الضغط على أشده على السلطة للرضوخ لمطالب الانتفاضة.
ويتم التعاطي مع تظاهرة «التيار الحر» لمناسبة مرور 3 سنوات على انتخاب عون رئيساً على أنها ستشكل استفتاءً في الشارع للعهد، ومن شأنها أن ترسم «خط دفاع بشرياً» عن باسيل في غمرة مسار تشكيل الحكومة ومحاولات استبعاده عنها، ناهيك عن السعي إلى «ترميم» صورة التيار وحجمه التمثيلي على الساحة المسيحية.