مثقفون بلا حدود
«ياسمينة»... من أفلام الثورة الجزائرية (1 من 3)
يصنف فيلم «ياسمينة» من ضمن الأفلام الوثائقية، لكثرة التصوير الحي في الفيلم «من قلب الحدث» كما يقال، ولعل الأفلام الوثائقية هي الأصعب والأخطر في عالم السينما؛ إذ تتطلب مقومات عدة في مخرجها ومصورها ومعدّها؛ فهناك صبر وأناة على لحظة الحدث، وهناك شجاعة فائقة على تصوير الحدث وما يكتنفه من مخاطر قد تودي بحياة المصور، علما بأن كثيراً من المصورين راح ضحية تصوير الحدث الحي - ولا سيما - في الحروب والمعارك، والعصابات، والمنازعات، وغيرها الكثير، كما تتطلب تضحية بالمال أيضاً، ولعل بعض الأفلام الوثائقية يظل طاقمها مطارداً ومهدداً من جماعات مناهضة لما صوره وأبداه في فيلمه، كما أن الأفلام الوثائقية هي خير شاهد على الأحداث دونما فبركة ولا بتر ولا تزييف. يقول بيير ياولوبازوليني المخرج الإيطالي الكبير عن الفيلم السياسي: «أهم شيء في السينما السياسية هو الوثيقة ومن دون الوثيقة لا يمكن إقناع المشاهد» أ.هـ.
على «أن الفيلم الوثائقي لا ينفي جانب التأليف الدرامي بما فيه من توظيف للخيال ومؤثرات وتشويق؟ إنما يوظفه في اتجاه الواقع مع إيجاد طرق تجعل المتلقي ينتقل باهتمام بين حالة التأثر والانتباه الداعي»أ.هـ. انظر في ذلك مجلة الإذاعات العربية.
إن فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر وبكل ما تحمله من مأساة في حق شعب أراد حق العيش بكرامة قد وفـّرت مناخاً خصباً للكتاب السينمائيين الجزائريين، كما أنها شجـّعت المنتجين وحفـّزت المخرجين؛ لكي يأخذوا من هذه الفترة رمزاً بطولياً لمحاربة عنف المستعمر وبشاعة تصرفاته اللا إنسانية بحق شعب مسالم.
إن أول ما تميز به مخرجا فيلم «ياسمينة» (جمال شندرلي ومحمد الخضر حامينة) هو اختيار الاسم فـ«ياسمينة» مأخوذ من نبتة الياسمين وهي لفظة معرّبة من الفارسية. والياسمين نوع من أنواع الرياحين ويطلق عليه بالفارسية «جاسمين» فحينما اختارا هذا الاسم «ياسمينة» تلك الوردة البيضاء، فهما يرمزان بذلك إلى السلام والمحبة، والنقاء والطهارة، كما أن وردة الياسمين ذات رائحة عبقة فواحة، يعطرون بها الأسرة والمضاجع قبل النوم والمفارش والنمارق والزرابي قبل الجلوس عليها، وهي عادة دأب عليها أهل المغرب عامة.
اختار المخرجان (جمال شندرلي ومحمد الخضر حامينة) لبطولة فيلمهما الوثائقي (طفلة) ولعل السؤالين اللذين نطرحهما على المخرجين هما: لماذا استخدما الأطفال؟ ولماذا طفلة وليس طفلا؟
الأطفال براعم المستقبل، وهم الأمل المنشود، وهم مَنْ يعوّل عليهم في بناء جزائر حديث. الأطفال الجزائريون هم أكثر الأطفال تضررا و تعرضا لحرب مخلة بشرف الحرب، وحرب إبادة من القوات الغازية. أطفال لم يغترفوا ذنبا ناموا آمنين مطمئنين بأحضان ذويهم، استيقظوا فلم يجدوا أما ولا أبا ولا بيتا ولا لعبة ولا كراسة ولا مدرسة ولا ملابس تسترهم، لم يجدوا من يؤويهم ومن يكسوهم. إن وحشية المستعمر لم ترحم سنهم الغض، ولم تأبه بأحلامهم الوردية، ولم تنشغل بأكلهم وشربهم. غزوتم الجزائر، وذبحتم رجالها ونسائها، وشردّتم أطفالها، وماذا بعد ذلك؟! ماذا جنيتم؟ أهي بطولة تريدون تدوينها في سجل التاريخ، أم هي شجاعة تودون مَنْ يقف ويصفق لدمويتكم وبشاعتكم؟ ألم تسألوا أنفسكم - أيها المستعمرون - ماذا جنيتم؟ وماذا تريدون؟
- المصدر: كتابنا «الرمز والرمزية في السينما الجزائرية، منشورات دار الجائزة، الجزائر 2010».
* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmai.com