هذه حسابات الائتلاف الحاكِم
«حزب الله» شيْطَن الثورة وأَحْبط تغيير الحكومة
يشكل «الويك أند» في بيروت اختباراً قاسياً وربما أكثر لـ«الثورة البيضاء» التي أخرجت المارد اللبناني من القمقم في واحدةٍ من أنْصع التحركات الشعبية الاحتجاجية في العالم، مع نزول نصف سكان البلاد الى الميادين والشوارع والساحات للأسبوع الثاني على التوالي في مشهدٍ حضاري لاعنفي، ويطغى عليه الغضب الساطع بأبهى المَظاهر السلمية، ولسان حاله إسقاط الحكومة وتشكيل أخرى من خارج منظومة الفساد والاسترهان للخارج، تمهيداً لانتخابات نيابية مبكّرة.
وبدت الثورةُ «النقية» أمام خطرِ تهشيمها وتالياً تهميشها بعدما تولّى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «شيْطنتها» وعاود إحباط أي محاولة لملاقاة صوتها الهادِر عبر استقالة الحكومة أو حتى إجراء التعديل الوزاري، كما جرتْ العادة إزاء أي مأزقٍ في الدول المتقدّمة، الأمر الذي يفتح باب الترهيب والترغيب على مصراعيه لاحتواء الاحتجاجات المليونية، وسط سيناريواتٍ غامضة يصعب التكهن بمآلها، وخصوصاً بعدما رَبَط نصرالله «حركة نصف الشعب اللبناني» بـ«مؤامرة» خارجية صنيعة السفارات وأجهزة مخابراتها.
ولم تكن مسارعةُ نصرالله، المُمْسِك بـ«قواعد اللعبة» في لبنان، الى التماهي مع التقويم الإيراني لما يجري في العراق، مُصادَفة، لأن سقوط الحكومة في إحدى ساحات النفوذ الإيراني (بيروت) تحت وطأة ضغط الشارع، سيشكّل أمثولةً للعراقيين في انتفاضتهم المسفوكة الدماء، وهو ما يفسّر تَدارُك «حزب الله» لمحاولاتٍ كانت تجري وعلى نحو جدّي لكسْر المأزق بإجراء تعديل وزاري وإقصاء وزراء يشكلون رموز استفزاز وفساد والإتيان بآخَرين يتمتعون بصدقية، في محاكاةٍ ولو جزئية لمَطالب الثورة.
وتوالت في الساعات الماضية تقارير متناقضة عن مآل الواقع الحكومي، وخصوصاً في ظل التراجع المفاجئ للرئيس ميشال عون عن صيَغ كانت مدار بحدث جدي، والموقف الغامض لرئيس الحكومة سعد الحريري والـ«لا الكبيرة» التي رسمها «حزب الله»، والتي فعلت فعلها على ما يبدو، ما فسر طلائع الهجوم المعاكس الذي بدأه الائتلاف الحاكم في سياق وضْعه بدائل حاسمة لإجهاض ثورة اللبنانيين والالتفاف عليها.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الراي»، بأن ظروف التغيير الحكومي كانت تَخْتَمِرُ بعد الجملة - المفتاح في الكلمة التي ألقاها عون وأوحى فيها باستعداده لمناقشة تغيير وزاري، وإلحاح البطريركية المارونية على تشكيل حكومة حيادية مصغّرة والضغوط التي مارَسها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للذهاب في هذا الاتجاه وبروز أصوات في البيئة السنية (فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي) وكذلك المسيحية (القوات اللبنانية والكتائب) تطالب بحكومة جديدة.
وبدا أن خطة الارتداد على سيناريو «التعديل أو التغيير» اقترنت بالوقائع الآتية:
? تخوين «الثورة البيضاء» والطعن بدوافعها وأهدافها من نصرالله مقدّمةً لتأليب نبْض الرأي العام عليها ومحاصرتها.
? دفْعُ المؤسسة العسكرية - الأمنية إلى فتْح الطرق بأيّ ثمن عبر ممارسة ضغوط هائلة عليها بغية انتزاع وسائل ضغط الشارع في حصاره للسلطة ودفْعها إلى الاستجابة لمطالب الناس.
? ترْك المحتجين في الساحات وسط الرهان على «تعبهم» وانكفاء حركتهم وتَقَهْقُرها التلقائي وتالياً إحباطهم وطمس واحدة من أكثر الصفحات المشرقة في مئة عام من تاريخ لبنان عشية مئويته الأولى.
وارتبط التراجُع عن أي تغيير أو تعديل حكومي بحسابات أطراف الائتلاف الحاكم، ولعل أبرزها:
? أن «حزب الله» الذي يتحكّم بالأمرة الإستراتيجية في بُعْديْها الداخلي والخارجي، ليس في وارد الخروج من دائرة القرار مع تشكيل أي حكومة حيادية أو حكومة تكنوقراط، وخصوصاً في ظل سيف العقوبات الأميركية المصلت عليه.
? ان عون الذي حسم موقفه بعدم التضحية بـ«وزيره الأول» جبران باسيل، اقتنع بأن الأخير يشكل خط الدفاع عن العهد وان إبعاده يقلّل من حظوظه كمرشح أول لرئاسة الجمهورية.
? الحريري، الذي يشترط التفاهم على حكومة بديلة قبل الاستقالة، يريد ضمان عودته إلى رئاسة مجلس الوزراء، ويحاذر في الوقت نفسه أي خطوة ناقصة تدفع البلاد نحو الفراغ.
وإذا كان الحريري أبلغ إلى كل مَن يعنيهم الأمر أنه لن يتردد في تقديم استقالته عند سقوط أي نقطة دم، فإن الأنظار ستكون على الانتفاضة وإمكان صمودها واحتفاظها بأوراق الضغط، وعلى الجيش الذي سيكون بين نارين... القرار السياسي بزجّه في وجه الناس والعين الدولية على دوره.