أزمة الوعي الأدبي... ومصير الثقافة حاضراً ومستقبلاً

تصغير
تكبير

الأزمة الحقيقية التي تستحق أن تكون في صدارة اهتمامات الباحثين والدارسين والمهتمين بالشأن الثقافي... تلك التي تتمثل في غياب الوعي الأدبي لدى شريحة كبيرة من مجتمعاتنا العربية، وخصوصاً الشباب الذين لم تتربَ مشاعرهم على صنوف الإبداع الإنساني، ولم تتشكل مداركهم من خلال قصائد وقصص وروايات كبار الأدباء، وتُركوا عنوة لمصائرهم التي ارتبطت جزئياً في بعض الأحيان، وكلياً في أحايين كثيرة بوسائل التواصل الاجتماعي، وما تفرزه من عشوائية لا مثيل لها في الطرح والتناول لمختلف القضايا، والبذاءة التي استقرت على الألسن في ما يشبه الالتصاق، والفوضى العارمة التي ضربت بالمعلومات، ليختلط الزائف بالحقيقي في مزيج لا يمكن تنقيته.
إنها الأزمة في طريقها إلى العصف بكل ما هو جميل في مشاعرنا الإنسانية - إن لم تكن قد عصفت ببعضها - وذلك وفق ما نلمسه من غياب محقق للوعي الأدبي، وعدم قدرة الكثيرين من أن تكون لهم أوقات مخصصة للقراءة حتى لو كل سنة، وليس كل يوم أو أسبوع أو شهر.
فالقراءة في يقين هذا العصر أصبحت غائبة، أو فلنقل مغيبة، فالكثير يحرص على ألا تكون لها ذكر في مشاعره، أو أذهانه، لأنها - من وجهة نظرهم - لا تؤدي إلى نتائج سريعة أو وقتية، مثل السلعة، كونها أمراً تراكمياً، ونحن - للأسف - لم يعد لدينا صبر إلا على مواقع التواصل الاجتماعي التي نركن في متابعتها لساعات طويلة يومياً، بينما لو سألنا أنفسنا بعد قضاء هذه الساعات أمام شاشة الأجهزة الذكية عن المردود أو الفائدة، فإننا سنقول صفراً، ومع ذلك فإننا نعاود مرة أخرى الصبر بالساعات أمام تلك الشاشات، ونحن نعلم أنه لا فائدة منها.


والسؤال: ما السبب الذي أدى إلى غياب الوعي الأدبي لدى شريحة المجتمع، ليس في معظمها فقط، ولكن في ما يشبه أغلبها، فحتى المحسوبون على الثقافة والإبداع أصبح - إن صح التعبير - لديهم كسل متناهٍ في مسألة الوعي الأدبي، فهم لا يقرأون بالقدر الكافي الذي يمكن توقعه من مثقفين يعدّون أنفسهم لتوعية المجتمع والتفاعل مع مختلف قضاياه الحيوية، والكشف عن كل ما يتعلق بهمومه والتعبير عنه في ما يساهم في حلها، أو حتى التنبيه بوجودها؟
وما السبب الذي جعل الثقافة هي آخر اهتمامات المؤسسات الرسمية في معظم الدول العربية؟، وكيف يمكن مواجهة هذا المأزق الذي له تأثير واضح على بنية المجتمع الثقافية والمعرفية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حاضراً ومستقبلاً؟
أسئلة كثيرة يمكن طرحها، وفي المقابل ليس ثمة إجابة شافية نتحصل عليها، طالما أننا نلجأ إلى التنظير والحديث المرسل، من دون وضع دراسات تتضمن بحوثاً وتحليلاً وعقد مقارنات... فالمسألة أكبر عمقاً مما يتخيله القائمون على الشأن الثقافي، وأكثر حساسية، كونها تمس مكونات المجتمع بأثره، وتحدد مدى قدرته على التفاعل مع الحياة من منظورها الأخلاقي والإنساني والفكري، وكذلك المستقبلي، وهذا ما يحدد مكانة المجتمع بين المجتمعات الأخرى، والسبل التي من شأنها تحقيق تقدمه، والوقوف أمام التحديات بقوة العارف الذي يفهم الواقع، ويستطيع التعامل معه بروية وصبر وفهم.
إن أسباب غياب الوعي الأدبي والثقافي وحتى الوعي المعرفي والفكري... كثيرة ومعروفة جداً في مجتمعاتنا العربية، ولعل من أبرزها انقطاع الصلة بين الفرد ومجتمعه، بمعنى أن كل فرد يعمل بمعزل عن الآخرين، وفي نطاق وحيز مصلحته الصغيرة، بينما المصلحة الكبيرة التي تهم الوطن والمجتمع، ليس لها وجود أو أنها هامشية في تفكير الفرد، مما يؤدي إلى ظهور أفكار فردية لا تخدم المستقبل ولا تؤدي إلى تطويره بما يتناسب مع العصر الذي نحن بصدده.
بالإضافة إلى افتقاد الحميمية المطلوبة بين المجتمع ومحيطه الخارجي، فليس ثمة تمازج وتفاعل بين الأفراد والحياة بالقدر الذي يدعو إلى الابتكار والتجديد، بسبب حزمة من العراقيل الداخلية مثل الكسل المعرفي وعدم الإحساس بقيمة الثقافة، والخارجية تتمثل في الرقابة المحكمة والملاحقات القضائية لكل من يفكر بشكل مختلف، وهيمنة البيروقراطية على الأفكار، وغيرها.
لذا يتعين علينا أن نضع الدراسات المتخصصة، تلك التي من شأنها زيادة الوعي المعرفي والأدبي والثقافي، بأسلوب منظم وجدي، وليس من خلال تأدية الواجب... والسلام، أو تحصيل حاصل!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي