مثقفون بلا حدود

فن التقليد والكوميديا

No Image
تصغير
تكبير

سؤال نطرحه: هل التقليد فن؟ في رأيي الشخصي أن التقليد ليس فناً؛ بل هو مدخل للفن، الطبيعي جداً أن كل فنان في بداية مشواره الفني كان مقلداً، إذا كان مطرباً، فهو يقلد المطربين الكبار، وإذا كان ممثلاً فهو يقلد الممثلين الكبار، وإذا كان موسيقياً، فهل يقلد الموسيقيين الكبار... إلخ، وأقصد بالكبار هنا الذين سبقوه وأخذوا شهرتهم وحددوا مكانتهم من أعمالهم، وأصبحوا معروفين. وهذه المرحلة شأنها شأن مرحلة الطفولة؛ فالطفل يبدأ مقلداً، حتى يكبر وينضج ويستقل بنفسه، ويكون له رأيه الخاص، ولديه القدرة على اتخاذ قراراته بنفسه من دون أن يملي عليه أحد.
ولكن أن يأتي فنان مخضرم حقق شهرة في وسطه الفني وأصبح له جمهوره الخاص، ثم يقوم بالتقليد ليسخر من أشخاص وأقوام ومجتمعات تحت ذريعة فن الكوميديا الضاحكة، أو تحت مسوغ مصطلح (التجسيد) أو مصطلح (التقمّص) فهذا الإفلاس بعينه.
إن الذي يجسّد؛ فهو يجسّد شخصية دور (كاركتر)، ليست في بداية حياتها بل في آخر مرحلة من حياته، وما وصلت إليه هذه الشخصية، سواء أكان رئيس دولة أم زعيم أمة، أم شخصية مناضلة... إلخ، وإن الذي يتقمّص؛ فهو يتقمّص مرحلة حياتية قد تكون مرحلة مرضية بجميع أنواع الأمراض أو العاهات، أو مرحلة مهنية... إلخ
أما (الكوميديا)، أو (الضحك)، فيقول الدكتور عبدالرزاق الحماسي: «لئن أجمع الباحثون على أن الضحك ظاهرة نفسية وثيقة الصلة بكل ما يحيط بالأمر من ظروف اجتماعية فإن الضحك يتأثر بشتى عوامل التغير الاجتماعي، ولكنه هو نفسه قد يكون بمثابة أداة تعيننا على تحقيق ذلك التغير الاجتماعي فالمضامين الفكاهية تختلف باختلاف المجتمعات؛ كما أن التغير الاجتماعي الذي يطرأ على مختلف الأوساط من شأنه أن يعكس آثاره على مواضيع فكاهتها؛ ولذلك فإنه ليس هناك جنس واحد من الضحك، بل هناك مجموعة من الأنواع، بل ليس ثمة ضحك في ذاته، بل هناك نماذج من الأفراد الضاحكين والمجتمعات الضاحكة» أ.هـ.
وفي مقال منشور ذكر أن «هناك بحثاً جديداً أعدته مجموعة من وحدة الإدراك والعلوم الدماغية في جامعة كامبردج، أظهر أنه كلما كانت النكتة التي نسمعها أكثر فكاهة يزداد نشاط (مراكز المكافأة) في الدماغ، أي الخلايا العصبية التي تخلق مشاعر السرور والفرح»أ.هـ.
ويؤكد ذلك الدكتور مات ديفيس قائلاً: «وجدنا أيضاً مميزات في نشاط الدماغ عند الاستماع إلى نكات تقوم على اللعب بالألفاظ»، موضحاً أنه عندما تكون النكتة قائمة على التلاعب بمعنى الكلمات تتحرك مناطق في الدماغ تتعلق بفهم الكلام، وأضاف أن ردة الفعل هذه تختلف أيضاً عن ردة الفعل الدماغية لدى سماع عبارات غير مضحكة. وقال ديفيس إن «وضع خريطة لكيفية فهم الدماغ للنكات والعبارات العادية يظهر كيف أن اللغة تساهم في المتعة التي نحظى بها لدى سماع نكتة»، مضيفا أن«هذا الأمر يساهم في فهم كيفية تفاعل الأشخاص الذين لا يستطيعون التواصل بشكل طبيعي مع النكات». واعتبر ديفيس «أن هذه النتيجة قد تساعد الأطباء على التواصل مع المريض الذي يشكو من إصابات دماغية، وعلى مساعدة من يشكو من مشاكل عاطفية» أ.هـ.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي