لم تكن بحاجةٍ إلى هذا الاستعراض الإعلامي والصوت العالي لتبريرِ قرارِكَ بالذهاب الى سورية ولا لتسويقه على أنه «انتصارٌ»، فقد ذهبْتم وعدْتم مراراً، وشركاء الحُكْم لا يملكون غير التلطّي بالجدار «الأخلاقي» لمقاومةِ انفلاتِ حركةِ السيرِ عند بوابة المصنع.
حتى موضوع «العِلْم والخَبَر» لرئيسِ الحكومة أو لمجلس الوزراء، فلستَ مضطراً له نهائياً. منظومةُ حلفائك تعْبر إلى سورية ومنها إلى العراق ومنه إلى إيران وأحياناً إلى اليمن وغزة من دون أي استئذانٍ ولا اعتبار. لكننا في لبنان تعوّدنا أن نعلن أيّ انتكاسةٍ بالصوت العالي والتهديد بقلْب الطاولة وتصوير التراجُع لمَن يصفّق أمامنا على أنه «تَقَدُّم»... ومَن ينسى خطاب سيد البراميل ابن أبيه العام 2005 وكيف خُيِّلَ لمَن يتابع تفاصيله أن سورية الأسد على وشك احتلال العالم لينتهي بالإعلان عن الخروج من لبنان.
معالي وزير الخارجية جبران باسيل اذهب إليه، وما الجديد؟ فأنت وكثيرون من منظومتك ما تركتموه وحيداً، وكنتم دائماً معه وعنده في أحلك الظروف، يساعدكم في ذلك صمتٌ عالمي أقرب إلى العُهْر. قُلْ له ما تريد وهو سيُطابِقُه في الملف الموجود على طاولته عنك، سواء تضمّن تقديراتِ الأمن الوطني السوري أو تقديراتِ مَن كان حليفاً له وصار شريكاً... «حزب الله» وبالتالي «الحرس الثوري». ولكن يجدر الانتباه إلى أمور عدة استناداً إلى خبراتِ مَن ذهبوا إليه قبلك وسيذهبون بعدك.
أنتَ في قصر الأسد ولستَ في مهرجان الحدَث، والتذاكي في الخطاب الشعبوي والالتفاف على الحقائق لم يعد جزءٌ كبيرٌ من جمهور «التيار» يقْبضه، فهل تريد لمَن ورث حُكْمَ لبنان يوماً عن والده أن يقبضه؟ بمعنى آخر، قلتَ في ذكرى 13 تشرين الأول (أكتوبر) إنك ستذهب إلى سورية لإعادة النازحين السوريين كما أعيد الجيش السوري من لبنان... كيف سيبْلعها مَن بنى جزءاً من تاريخ «فتوحاته» على تدمير قصر بعبدا وبالتالي التمدُّد بعد هذه الذكرى حتى إلى المناطق التي كانت تُعتبر «شرقية» وعصيةً على الجيش السوري؟ 13 تشرين بالنسبة إليه انتصارٌ تاريخي مثل تدمير حمص وحلب وحماة ودرعا ومدن الغوطة وقراها، وجيشُه الآن يعتبر أنه يخوض حرباً كونية. وإذا كنتَ قصدتَ أن «تخترع» نظرية أنكم أخرجتم الجيش السوري من لبنان كي يصدّق بعض أنصار تيّاركم، فكيف تريده أن ينسى أن دماء الشهيد رفيق الحريري هي التي فعلتْ ذلك؟
اذهب إليه وكن حَذِراً في مقاربة 13 تشرين. المطالبةُ برفات شهداء الجيش اللبناني أو بالمعتقلين أو بالمفقودين الذين ملأتم الدنيا صَخَباً أنكم لن ترتاحوا إلا بعودتهم أو معرفة مصيرهم... لا أدري إن كانت مُحْرِجَةً أو في مكانها. فأنت تتحدّث عن عشرات الضحايا مع مسؤول عن مرحلة سقط فيها أكثر من نصف مليون سوري وتدمّر نصف سورية وتهجّر الملايين، ناهيك عن عشرات الآلاف في السجون ومئات آلاف الجرحى والمصابين. وأنتَ لستَ مضطراً في الواقع لأيّ «دفْعةٍ معنويةٍ» أمام تيارك فطريقك داخله مُعَبَّدٌ بالتزكية ويدُ الحزب الحانية ترْعاك.
اذهب إليه وقَدِّم أوراق اعتمادك رئيساً مقبلاً للجمهورية. وأيضاً لا بد أن تفصل بين قصر المهاجرين ومبنى ميرنا الشالوحي (مبنى مقر التيار الوطني الحر) لا تَقُلْ له إن مشكلة الكهرباء في لبنان سببها النازح السوري ولا المشاكل الاقتصادية ولا شحّ المياه. سيقول لك إن مشاكلكم هذه موجودة قبل النزوح السوري، فهو ووالده ومندوبوه اللاساميون وحلفاؤه اللبنانيون مَن «هنْدس» عملية تدمير المرافق اللبنانية ومَنَعَ قيامة المؤسسات لأهداف تَحَدَّثَ عنها أكثر من مرّة فخامة الرئيس العماد ميشال عون قبل عودته من منفاه.
إن أردْته أن يحبّك في موضوع النازحين فلا تكرِّر أمامه ما تقوله في لبنان. سَيُخْرِجُ لك أرقامَ المساعدات الدولية وموازنات الأمم المتحدة ويُخْبِرُكَ كالعادة أن العامل السوري يكدح أربع مرات أكثر من العامل اللبناني... إلى آخِر الأدبيات البعثية. استمِع منه فقط إلى تصنيف أجهزة الأمن السورية لهم بين مُوالٍ يتجسس ومُعارِضٍ يتلطى وغالبيةٍ مغلوبة. ويمكنه إفادتُك في «دفْعةٍ معنوية» تسمح بإعادةٍ رمزيةٍ للبعض مقابل توالي عمليات تسليم المُعارِضين، والسماح بتكثيف عبور بعض البضائع والمنتجات اللبنانية عبر سورية، كما سيشجّعك على رفع الوتيرة العنصرية ضدّ النازحين لاستمرار تخصيب الكراهية كي يستفاد منها في أي اختبارٍ مقبلٍ عندما «يفْضى» قليلاً لنا.
سيشكرك على مواقفك في الجامعة العربية ورفْضك إدانة الاعتداء على السعودية، لكنه سيحاول «التخفيف» من أهمية دعمك بالقول إن دولاً عربية كثيرة ترجوه أن يعيد العلاقات وأن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط توسّل القبلات مع وليد المعلم في نيويورك وأن فيصل المقداد (وزير الخارجية الفعلي) ردّ عليه بلؤم.
معالي الوزير... اذهب إليه ودشِّن بالعلن مرحلةَ الوصال الخجولة، وابقِ لنفسك هامشاً من عدم التصديق. صدِّق ما تريد وما يمكنه أن يخدمك داخلياً وارمِ جانباً أفخاخ اللغة والوعود، فلطالما وعدوا غيرك ونكثوا ولطالما أَمَّنَ لهم غيرُك وغَدَروا. وعلى سيرة الأفخاخ، لم يكن مزاحاً النُصح بتفتيشِ سيارتك عندما تعود، فأنتَ لست أغلى عند الأسد وعلي مملوك وبثينة شعبان من ميشال سماحة الذي كان مُقاتِلاً حقيقياً في صفوفهم على جبهة الإعلام الدولي ومَراكز الضغط الأميركية. «لقَّموه» الدرسَ بأن الحليفَ يُفَجِّرُ ولا يبْني وورَّطوه إلى درجةٍ قال معها جميل السيد إن السيارة لا تتّسع لـ... «غزاليْن».
رافقتْكُم السلامة في حلكم وترحالكم.