رحلة الرئيس المليونية

تصغير
تكبير

يُحكى، وعلى سبيل الطرفة طبعاً، أن سياسياً لبنانياً سئل من قبل مضيفه في الصين عن التعداد السكاني للبنان، فكان الجواب وبثقة عالية أن العدد يناهز الثلاثة ملايين نسمة، فما كان من الوزير الصيني إلا أن ابتسم وقال لنظيره اللبناني «ربما في المرة المقبلة تأتي بهم كلهم معك».
زيارة فخامة رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون إلى نيويورك للمشاركة في نشاطات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أعادت إلى الذاكرة تلك الطرفة، ولا سيما عندما تعرض الرئيس عون للانتقاد بسبب زعم البعض أن الوفد المرافق يتكون من 160 شخصاً، معظمهم من حاشية الرئيس وصهره وزير الخارجية جبران باسيل بكلفة بلغت مليون دولار.
مصادر قريبة من الرئيس سارعت إلى نفي تلك الاتهامات، مُجاهرة بأن الوفد الرسمي يضم 60 فقط، وأن كل تلك الإشاعات لا أساس لها من الصحة. المقلق في هذا النفي، أن الطرف المبذّر لا يرى في الـ60 مسافراً مشكلة، علماً بأن الوفود الأخرى ومنها السويدي مثلاً لا يتعدى العشرة أشخاص. وفي تفصيل مالي آخر، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - الراعي الأساسي لمؤتمر «سيدر»- يقيم في فندق أقل كلفة من الفندق الذي ينزل فيه الوفد اللبناني.


الضوضاء التي رافقت زيارة عون بكامل مصاريفها وتبذيرها ساهمت في التغطية على مسألة أكثر خطورة من مزاعم اصطحاب الرئيس للحلاقة، وتمثلت برفض الولايات المتحدة إعطاء تأشيرة دخول لوزير الصحة، وزير «حزب الله» في الحكومة، جميل جبق، الأمر الذي منعه من المشاركة في الوفد الرسمي.
ويأتي ضم جبق، أحد أطباء الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، إلى رحلة الاستجمام الرئاسية كتحدٍ آخر للحكومة الأميركية والتي حذرت في وقت سابق الدولة اللبنانية من إعطاء الحزب أيا من الحقائب الخدماتية، ولا سيما الصحة التي تتيح لحاملها فرصة استخدامها في صالح التخفيف من وطأة العقوبات الأميركية على إيران وميليشياتها في المنطقة.
إصرار الرئيس عون على استفزاز إدارة ترامب بإقحام جبق في الوفد، يدل على تجاهله التام للمصلحة العامة، علما بأنه لو كان عون يريد فقط أن يكون الطرف الشيعي ممثلاً في الوفد الرئاسي، كان يمكنه أن يضم إليه أيا من الوزراء التابعين لحركة «أمل» ورئيسها نبيه بري، في حين أن وجود جبق أو عدمه لا يؤثر كثيراً على الأداء الوظيفي للوفد، الذي وبحسب الصور المتوافرة عبر وسائل التواصل، لم يوفر أياً من أموال دافعي الضرائب اللبنانية.
تأتي واقعة جبق ورحلة عون النيويوركية، لتؤكد مرة أخرى على عمق الأزمة، وكيف أن الطبقة الحاكمة التي تشحذ وتستجدي الأموال عبر مؤتمر سيدر وتناشد الإدارة الأميركية بعدم وضع العقوبات على نظام لبنان المصرفي المتآكل أصلاً، تواظب عل استفزاز الشعب اللبناني والمجتمع الدولي في آن.
وهنا تعود بنا الذاكرة إلى عام 1974 عندما شعر الشعب اللبناني بالإهانة نتيجة قيام السلطات الأميركية بتفتيش حقائب الوفد الرئاسي مستعملة الكلاب البوليسية بعد ورود معلومات بأن ابن الرئيس، الوزير طوني فرنجية، يقوم بتهريب الممنوعات على متن الطائرة الرئاسية.
وعراضة الرئيس عون برفقة حاشيته وعقليتهم الاستكبارية المنفصلة عن الواقع السياسي الإقليمي والدولي، خطوة إضافية لتعزيز فكرة أن لبنان الرسالة ومنارة المشرق قد أصبحت من الماضي، والتأكيد أن النزعة الانتحارية ورائحة فساد الطبقة الحاكمة باتت تفوح في أرجاء المعمورة وأروقة الأمم المتحدة، ولا تحتاج كلاباً بوليسية مدربة ولا صحافة استقصائية لمعرفة مصير لبنان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي