قضية / بينما التسطيح يتصدر الساحة ويفرض سيطرته

القصيدة الشعرية... غياب بعد ضعف

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0633u0627u0645u064a u0645u062du0645u062f
من أعمال الفنان سامي محمد
تصغير
تكبير

مَنْ يتحمل مسؤولية الإخفاق المتزايد للقصيدة العربية الفصحى في التأثير على الوجدان العام، وضعفها الشديد في مواجهة الواقع، الذي يستعصي على الفهم بكل ما فيه من انقلاب على الموازين، وانفلات في المشاعر، وغياب للحقيقة، وتضاعف الآلام، التي سببتها الصراعات بتفاصيلها الملتبسة؟
ليست ثمة إجابة وافية عن هذا السؤال، الذي يدور في فضاءات شتى ثم يعود مرة أخرى إلى منطقته المظلمة، غير مكترث بأهمية الكلمة في استقامة الأحوال، واتزانها، بما يتناسب مع الإنسان الذي سحقته الأحزان وشردته صراعات مفتعلة من أجل البقاء، تلك التي أدت إلى تأخير الخطوات العربية إلى أميال عدة، بل إنها - في بعض الأحيان - أوقفتها، لتسير في محلها، بينما الأذهان شاردة في تاريخ لن يعود.
إننا - وبكل جرأة - نضع تفسيراتنا وتصوراتنا عن هذا الغياب القهري للكلمة الشاعرة، لنحمّل وسائل التواصل الاجتماعي، التي فتحت الفضاء الإلكتروني على مصراعيه، للتسطيح والتسفيه والبلادة، فتحته للبذاءة كي تكون هي المحرك الرئيس للتفاعل، بينما الطيّبون الذين يريدون الحياة منزهة من كل سيئ وعفن، مطرودون من هذا التفاعل، والمرور عليهم لا يكون إلا عابراً وسريعاً، بينما تأخذ كل الاهتمام والتعليقات والأحاديث، تلك الكلمات التي تخرج من الأفواه أو تكتب على الصفحة، ملطخة بالكراهية والسفاهة والغرابة والتطاول على الآخرين.


كما أن تفسيراتنا وتصوراتنا لتدهور الشعر قد نحيلها إلى القارئ نفسه الذي لم يعد منجذباً إلى الشعر، وأن قراءاته فيه أصبحت نادرة إلى أبعد الحدود، خصوصاً الحديث منه، فقد يحفظ بيتاً في الحكمة أو الحب أو غير ذلك من الأبيات الشعرية الجاهزة، ولكنه لا يقرب الشعر الذي يعبر عنه ويكشف له عن حياته التي يعيشها.
أو أن الشعراء المعاصرين أنفسهم قد خفتت لديهم الرؤية الشعرية، وانطفأت فيهم جذوة الشعر، فلم يعودوا مبدعين كأسلافهم من الشعراء القدامى، مما جعل المتلقين ينصرفون عنهم بلا رجعة، ومن ثم اتجهوا إلى من يزعمون أنهم يكتبون الشعر وهم يكتبون هلاماً لا يرتقي إلى مستوى الشعر على وجه الإطلاق.
وفي حقيقة الأمر فإن الشعر أصبح غريباً في زمن غريب، وفي حياة لم تترك الفرصة لأي مبدع كي يعبر عنها، فهي تأخذه إلى مساحة من الفراغ، بينما تهلل وتحتفي بالتافه من الأشياء، وتضع المدعين في صدارة المشهد، لأسباب تراكمت بمرور الوقت، لعل من أبرزها، تفريطنا في الهوية العربية التي تمثلها اللغة، ولم نحرص على تطويرها، وتنصيب البعض أنفسهم كحراس عليها، لتقييد حركتها وعدم تجديد سريان مائها، بالإضافة إلى إهمالها، كتابة وتكلّماً، وتفضيل لغات أخرى عليها، بل الافتخار بأبنائنا الذين يجهلونها، في ما يتقنون لغات أجنبية أخرى... هكذا ضعف الشعر العربي في تواز مع ضعف لغته على الألسن وفي الأفئدة، وفي تقابل مع ما يشهده عصرنا من تنازع بين القديم والجديد.
كما أن الشعر تراجع في تأثيره بعدما تراجعت الكثير من القيم التي كان يحتفي بها الشعر مثل الكرامة والحرية والسعادة والشرف والحلم، وتغيرت المفاهيم إلى ماديات تحرق المشاعر بل تحولها إلى جماد لا ينبض ولا يتأثر. إلى جانب غياب الوعي بالمستقبل الذي لا ننظر إليه إلا من خلال مقولة «احيني اليوم... وأمتني غداً»، في ما ظل التخطيط للمستقبل غائباً، والنظر إلى البعيد قاصراً على أشياء آنية يستولي على مساحتها الطمع الوقتي الضيق.
إننا نطمح إلى أن تكون هناك صحوة شعرية حقيقية، يكون فيها للكلمة شغفها، وللغة المبدعة حديثها المؤثر، وللقصيدة المنتقاة من عناصر الحياة بكل مفرداتها وأحوالها أداة نواجه بها الحياة، ونرسم من خلالها أحلامنا، التي تخفت مع كل خطوة يخطوها العالم إلى الأمام، بينما خطواتنا ثابتة أو متجهة إلى الخلف... إلى القديم الذي نهرب إليه من وطأة الواقع الحالي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي