سنة صعبة يا خليج


يلتقي قادة دول الخليج بعد أيام في قمة قد تكون الأكثر دقة وأهمية لان المصاعب والاستحقاقات والتحديات لم تعد مقتصرة على جانب واحد فقط وانما تعددت جوانبها لتشمل الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسكاني والتنموي.
يلتقي القادة على وقع انهيار اقتصادي عالمي غزا دول الخليج من حدود المشاريع وبرامج التنمية. انهيار يتوقع ان يستمر في مؤشره التفاؤلي طيلة 2009 وفي مؤشره التشاؤمي عشر سنوات، وما بين السنة والعشر ستجد دول الخليج نفسها مخطوفة الأنفاس في عملية إعادة برمجة مستمرة للمشاريع والتكاليف، ومستنفرة الطاقات لمواجهة الانعكاسات السلبية من ركود وتصفيات وافلاسات، ومستنزفة للموارد المالية المطلوب تأمينها لتغطية آثار الأزمة.
صحيح ان دول الخليج كانت وستبقى أقدر من غيرها على مواجهة أزمة من هذا النوع وتحمل خسائرها بفعل الاحتياطات الموجودة والموارد النفطية، لكن الصحيح أيضا ان دفن الرؤوس في الرمال عبر الركن الى هذه المعطيات فقط ليس حلا بل هو المشكلة في حد ذاتها.
لقد كشفت الأزمة المالية ضرورة البناء على معطيات واقعية مستمرة لا على مظاهر وقشور، فالتنمية اكبر بكثير من مشروع سياحي او فندقي او تجاري. التنمية اساسها انتاجي وصناعي وزراعي واستثماري في اطار دورة مالية دوائرها القانونية والرقابية واضحة وصلبة. كما كشفت الازمة ايضا ان الاقتصاديات ليست بورصات فقط وان الدروس المستقاة منها يجب ان تعيد النظر في الكثير من انظمة اسواق الاسهم القائمة حاليا التي انكشفت على حالات واهنة واخرى وهمية تم التلاعب فيها تارة بموضوع القروض واخرى بموضوع الاصول وثالثة بموضوع الملاءة.
باختصار، على قادة دول الخليج الاستفادة اليوم مما حصل واعتباره «نافعة» لاستلحاق الوقت واجراء التعديلات اللازمة على الانظمة والقوانين في اتجاه المزيد من الرقابة والشفافية، اضافة الى اعادة رسم خريطة الطريق للبرامج التنموية والخطط الاقتصادية في ضوء تراجع اسعار النفط وبما يتناسب مع المستجدات التي فرضت توجيه الخطط الى القطاعات التشغيلية المنتجة.
ان التقليل من مخاطر الازمة المالية العالمية خطأ كبير، والاستسلام لنتائجها السلبية خطيئة كبرى، ولا بد من العودة الى الاهتمام بالاسس الكفيلة حمل الثقل العظيم، والافضل ان تكون اقتصادياتنا كشجرة جذورها ضاربة في الارض بعمق مئة متر وجذعها مرتفع عن سطح الارض مترا على ان تكون كشجرة جذورها بعمق متر وجذعها مرتفع عن سطح الارض مئة متر.
الافضل طبعا ان تكون جذور اقتصادياتنا صلبة وجذوعها مرتفعة لكن التطورات تفرض علينا الصمود في وجه العاصفة وذلك مستحيل في غياب الاسس القوية. والعاصفة ليست اقتصادية فحسب فهناك الاستحقاق الاقليمي الذي سيشكل اولوية للادارة الاميركية الجديدة. استحقاق الملف النووي الايراني وقد بدأت طلائع استراتيجية وزارة الدفاع الاميركية تتكشف ومن الخليج تحديدا، حين طلب وزير الدفاع القديم - الجديد روبرت غيتس من دول الخليج ان تبادر هي الى التدخل مع ايران لحضها على التعاون مع الهيئات الاممية المختصة مشيرا بشكل مباشر الى ضرورة عدم تجريب الادارة الجديدة في هذا الملف والابتعاد عن «اوهام المرونة».
وايضا لا يجوز ان ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول ان دول الخليج مجتمعة ومتفقة على سياسة واحدة تجاه ايران فهذا غير صحيح، لكن الصحيح هو ان دول الخليج مجتمعة ومتفقة على ابعاد التصعيد والحرب عن المنطقة لما سيكون لذلك من نتائج كوارثية قد تقضي على سنوات من التنمية، لذلك لا بد من استراتيجية واضحة لدول الخليج شرقا وغربا، في اتجاه ايران والولايات المتحدة، تعتمد على الاولوية المطلقة للامن والاستقرار وطرق كل سبل التفاهم والتعاون لتحقيق هذه الاولوية، فأهل مكة ادرى بشعابها من اهل واشنطن وطهران.
وبين الاستحقاقين الصعبين اقتصاديا واقليميا استحقاقات كثيرة متفرعة منهما ومرتبطة بهما. الارهاب، والاتفاقات الامنية، والوحدة الجمركية، والعملة الموحدة، والسوق المشتركة، والمشاكل السكانية وقضايا العمالة الوافدة، وحقوق الانسان والحريات العامة، والسياسة النفطية، وتطوير القطاعات العلمية والتكنولوجية والصحية، والعلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب والشرق، والدور الاقليمي لدول الخليج كمجموعة واحدة متماسكة في ما يتعلق بقضية فلسطين وعملية السلام التي وعدت ادارة الرئيس باراك اوباما بتحريكها اضافة الى ملفات العراق ولبنان والتضامن العربي... ولا نغالي اذا قلنا ان كل ملف من هذه الملفات وغيرها يحتاج الى قمة.
كنا نود ان نرى دولنا الخليجية تعبر «سنة حلوة»، لكن التحديات الداخلية والخارجية تربك خطواتنا، ناهيك عن اخطاء كثيرة نرتكبها نحن ايضا في مقاربة لهذه التحديات على مختلف الصعد واهمها... انكارنا وجود اخطاء.
سنة صعبة يا خليج.
جاسم بودي
يلتقي القادة على وقع انهيار اقتصادي عالمي غزا دول الخليج من حدود المشاريع وبرامج التنمية. انهيار يتوقع ان يستمر في مؤشره التفاؤلي طيلة 2009 وفي مؤشره التشاؤمي عشر سنوات، وما بين السنة والعشر ستجد دول الخليج نفسها مخطوفة الأنفاس في عملية إعادة برمجة مستمرة للمشاريع والتكاليف، ومستنفرة الطاقات لمواجهة الانعكاسات السلبية من ركود وتصفيات وافلاسات، ومستنزفة للموارد المالية المطلوب تأمينها لتغطية آثار الأزمة.
صحيح ان دول الخليج كانت وستبقى أقدر من غيرها على مواجهة أزمة من هذا النوع وتحمل خسائرها بفعل الاحتياطات الموجودة والموارد النفطية، لكن الصحيح أيضا ان دفن الرؤوس في الرمال عبر الركن الى هذه المعطيات فقط ليس حلا بل هو المشكلة في حد ذاتها.
لقد كشفت الأزمة المالية ضرورة البناء على معطيات واقعية مستمرة لا على مظاهر وقشور، فالتنمية اكبر بكثير من مشروع سياحي او فندقي او تجاري. التنمية اساسها انتاجي وصناعي وزراعي واستثماري في اطار دورة مالية دوائرها القانونية والرقابية واضحة وصلبة. كما كشفت الازمة ايضا ان الاقتصاديات ليست بورصات فقط وان الدروس المستقاة منها يجب ان تعيد النظر في الكثير من انظمة اسواق الاسهم القائمة حاليا التي انكشفت على حالات واهنة واخرى وهمية تم التلاعب فيها تارة بموضوع القروض واخرى بموضوع الاصول وثالثة بموضوع الملاءة.
باختصار، على قادة دول الخليج الاستفادة اليوم مما حصل واعتباره «نافعة» لاستلحاق الوقت واجراء التعديلات اللازمة على الانظمة والقوانين في اتجاه المزيد من الرقابة والشفافية، اضافة الى اعادة رسم خريطة الطريق للبرامج التنموية والخطط الاقتصادية في ضوء تراجع اسعار النفط وبما يتناسب مع المستجدات التي فرضت توجيه الخطط الى القطاعات التشغيلية المنتجة.
ان التقليل من مخاطر الازمة المالية العالمية خطأ كبير، والاستسلام لنتائجها السلبية خطيئة كبرى، ولا بد من العودة الى الاهتمام بالاسس الكفيلة حمل الثقل العظيم، والافضل ان تكون اقتصادياتنا كشجرة جذورها ضاربة في الارض بعمق مئة متر وجذعها مرتفع عن سطح الارض مترا على ان تكون كشجرة جذورها بعمق متر وجذعها مرتفع عن سطح الارض مئة متر.
الافضل طبعا ان تكون جذور اقتصادياتنا صلبة وجذوعها مرتفعة لكن التطورات تفرض علينا الصمود في وجه العاصفة وذلك مستحيل في غياب الاسس القوية. والعاصفة ليست اقتصادية فحسب فهناك الاستحقاق الاقليمي الذي سيشكل اولوية للادارة الاميركية الجديدة. استحقاق الملف النووي الايراني وقد بدأت طلائع استراتيجية وزارة الدفاع الاميركية تتكشف ومن الخليج تحديدا، حين طلب وزير الدفاع القديم - الجديد روبرت غيتس من دول الخليج ان تبادر هي الى التدخل مع ايران لحضها على التعاون مع الهيئات الاممية المختصة مشيرا بشكل مباشر الى ضرورة عدم تجريب الادارة الجديدة في هذا الملف والابتعاد عن «اوهام المرونة».
وايضا لا يجوز ان ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول ان دول الخليج مجتمعة ومتفقة على سياسة واحدة تجاه ايران فهذا غير صحيح، لكن الصحيح هو ان دول الخليج مجتمعة ومتفقة على ابعاد التصعيد والحرب عن المنطقة لما سيكون لذلك من نتائج كوارثية قد تقضي على سنوات من التنمية، لذلك لا بد من استراتيجية واضحة لدول الخليج شرقا وغربا، في اتجاه ايران والولايات المتحدة، تعتمد على الاولوية المطلقة للامن والاستقرار وطرق كل سبل التفاهم والتعاون لتحقيق هذه الاولوية، فأهل مكة ادرى بشعابها من اهل واشنطن وطهران.
وبين الاستحقاقين الصعبين اقتصاديا واقليميا استحقاقات كثيرة متفرعة منهما ومرتبطة بهما. الارهاب، والاتفاقات الامنية، والوحدة الجمركية، والعملة الموحدة، والسوق المشتركة، والمشاكل السكانية وقضايا العمالة الوافدة، وحقوق الانسان والحريات العامة، والسياسة النفطية، وتطوير القطاعات العلمية والتكنولوجية والصحية، والعلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب والشرق، والدور الاقليمي لدول الخليج كمجموعة واحدة متماسكة في ما يتعلق بقضية فلسطين وعملية السلام التي وعدت ادارة الرئيس باراك اوباما بتحريكها اضافة الى ملفات العراق ولبنان والتضامن العربي... ولا نغالي اذا قلنا ان كل ملف من هذه الملفات وغيرها يحتاج الى قمة.
كنا نود ان نرى دولنا الخليجية تعبر «سنة حلوة»، لكن التحديات الداخلية والخارجية تربك خطواتنا، ناهيك عن اخطاء كثيرة نرتكبها نحن ايضا في مقاربة لهذه التحديات على مختلف الصعد واهمها... انكارنا وجود اخطاء.
سنة صعبة يا خليج.
جاسم بودي