«أم كامل» والدولة اللبنانية ... مُسيّرتان عن بعد

تصغير
تكبير

رغم الخوف والضوضاء التي رافقت العملية الأخيرة لـ«حزب الله» على دورية إسرائيلية، فإن الأمر المستجد، المقلق والخطير، يتجاوز المسرحية العسكرية التي ناسبت كلاً من حسن نصرالله ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنحتهما فرصة إنقاذ ما تبقى من هيبتهما.
الموضوع الأساسي الذي يجب تحييده عن أحداث الأحد الفائت، هو الضربة العسكرية الجوية لموقع الحرس الثوري الإيراني في قرية عقربا السورية والتي أفضت إلى سقوط عدد من القتلى، من بينهم مقاتلون من «حزب الله»، خبراء في الطائرات المسيرة، كانوا يحضرون وفق العدو الإسرائيلي لعملية تضم إرسال طائرات مسيرة مفخخة ضد أهداف مدنية وعسكرية. والعملية الأمنية الغامضة التي أعقبت ضربة عقربا في ضاحية لبنان الجنوبية، وتضمنت طائرتين مسيرتين يزعم «حزب الله» أنهما إسرائيليتان، أعادت مجدداً وضع هذا السلاح القديم نسبياً في الواجهة الأمنية والسياسية.
الطائرة المسيرة المعروفة بالـ«أم. ك» أو «أم كامل» كما يحلو للبعض في لبنان تسميتها، هي جزء من الثقافة المحلية اللبنانية وتنافس الكبة النية والتبولة أحياناً. فالعدو قد استعملها بشكل يومي لخرق سيادة لبنان واستهداف المقاومة الفلسطينية والوطنية ولاحقاً «حزب الله» حين أمّنت سورية وإيران لفصيلهما اللبناني احتكار المقاومة. أما حديثاً، فقد برزت «الدرون» كجزء من ترسانة الحرس الثوري وميليشيات إيران في المنطقة مع رواج استعمال «أنصار الله» في اليمن هذا السلاح لاستهداف السعودية.


ورغم نفيه، فإن «حزب الله» أصبح في طور متقدم من استعمال «أم كامل» بنسختها الصينية - الإيرانية، حيث قامت وزارة الخزانة الأميركية بوضع العديد من الشركات والأشخاص على لائحة العقوبات، بسبب دورهم في تأمين قطع ومنظومات تستعمل في تطوير تلك المسيرات. وقد كان لافتاً تذمّر أهالي جبل لبنان الجنوبي - وغالبيتهم من الدروز والمسيحيين - والمنطقة المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية، معقل «حزب الله»، أخيراً من حركة طائرات مسيرة فوق مناطقهم، متهمين الحزب برصدهم لغايات أمنية. وإزعاج تلك الطائرات المسيرة «الغامضة» لا يقل سوءاً عن «أم كامل» الإسرائيلية التي تمنع أهل الجنوب من النوم ليلاً.
وعندما يتقاطع هدير «الدرونز» مع جلبة خطاب نصرالله يصبح الأمر أكثر خطورة. في خطابه الأخير، أشار إلى أن تلك الطائرات التي تعود وفق زعمه، للعدو الإسرائيلي، تفتح الباب أمام القتل والاغتيالات في لبنان بحيث تبقى بصمة المنفذ غامضة. هذه السردية ليست بجديدة، بل هي اجترار مستمر لرواية نصرالله بأن إسرائيل هي الطرف الذي اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث قام عام 2010 بتقديم تسجيلات وصور وأدلة غير قاطعة لرصد الإسرائيليين لموكب الحريري. المضبطة الاتهامية المقدمة من نصرالله لا تختلف بوهنها عن المعلومات التي قدمها عن الحادث الغامض الذي تعرض له مبنى الجهاز الإعلامي لحزبه في الأسابيع الفائتة.
ومن سخرية القدر وربما الغرابة أن يستهدف العدو الإسرائيلي دائماً الناشطين والمعارضين لسياسية إيران ونظام بشار الأسد، وحين يهاجم هؤلاء رموز «المقاومة» تقوم إسرائيل بتصفيتهم، وهو قدر يفسره مجدداً منطقُ قادة «محور الممناعة». ففي تنبيه نصرالله حول المسيرات والاغتيالات رسائل موجهة إلى الداخل اللبناني تمنعه في المستقبل القريب من معارضة خيارات الحزب.
كما تلوح لأي كاتب أو صحافي او مثقف سلمي أعزل بأن ينصاع كما هو حال «الدولة اللبنانية المسيرة» للأمر الواقع، أي قيام الحزب بتوريط لبنان في حرب عبثية مفتوحة مع إسرائيل، كلها «فدى السيد» و«فدى» تحسين ظروف التفاوض الإيراني مع أميركا والغرب.
«أم كامل» والدولة اللبنانية كلتاهما مسيّرتان: الأولى من قبل رئيس وزراء إسرائيلي شعبوي عنصري متشبث بالسلطة تحت أي ثمن، والثانية مسيّرة من قبل طبقة سياسية فاسدة تخضع لسيطرة «حزب الله» الذي ينشر مقاتليه في كل أنحاء المعمورة، ليس للدفاع عن الجنوب كما يزعم، بل لخدمة مشروع شعوبي إيراني توسعي من المحيط إلى الخليج.
وفي المرة المقبلة، حين تسمعون أزيز «أم كامل» وأخواتها تحلق فوق رؤوسكم تذكروا جيداً أن الدولة التي من واجبها الدفاع عنكم، مسيرة وليست مخيّرة، وأن «أم كامل» بنسختها الجديدة الغامضة، كشاحنات النقل الخارجي، تتضمن عبارة «سيري فعين حزب الله ترعاكِ».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي