مثقفون بلا حدود

الرباط والمرابطة... تغيرات دلالية (1 من 3)

No Image
تصغير
تكبير

إن الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على التغيرات الدلالية لمصطلحي «الرباط» و «المرابطة»، والتركيز على المفهوم اللغوي والاصطلاحي لهما في المعجم العربي.
جاء في معجم لسان العرب: «رَبَط: الشيء: يَرْبـِطـُه ويَرْبُطـُه رَبْطا، فهو مَرْبُوط،. والرّباط: ما رُبـِطـَ به. والجمع: رُبـُط» أ.هـ.
ولعل ربْط المقاتلين أنفسهم ببعض حتى لا يتراجعوا من هول المعركة، وقوة الهجوم، وهذا ما عرف عن مقاتلي عمر المختار فارس ليبيا وبطلها، كانوا يثنون ساق الرجل على فخذه ثم يقومون بربطهما معا لكي لا تسول لهم أنفسهم بالهرب أثناء المعركة. وهذه الطريقة امتاز بها المقاتلون العرب والمسلمون في فتوحاتهم وفي صدهم لهجوم المغول والاسبان، حتى غدت كلمتا رباط ومرابطة خاصة بالعرب والمسلمين.
وجاء في المعجم الوجيز: «رُبـُط:جمع الرّباط، وهو ملجأ الفقراء من الصوفية» أ.هـ. وقد ذكرت الباحثة نهى فضل الله، الناحية الثقافية في العصر العباسي قائلة: «كان التدريس يتم أيضا في المساجد والرُبـُط والزوايا» أ.هـ. ما يعني أن الرباط كان معروفا بالمشرق العربي بيد أن السؤال هنا: لماذا لم نسمع عن «شيخ الرباط» مثلما سمعنا بـ«شيخ الزاوية»؟ ولماذا أخذت الزاوية حيزا أكثر من الرباط؟ وما الفرق بين «الرباط» و«الزاوية» وما المقومات والمهام التي يقوم عليها الرباط والزاوية؟ ولماذا هذا الرديف مع «المسجد» الذي كان هو المجمع لكل قضايا المسلمين؟ ولماذا اقتصر المسجد على الصلاة فقط؟
لا حظنا بأن معجم لسان العرب جمع كلمة (رباط) بـ(رُبُط)، بضمتين، أما في معجم المصباح المنير فجمعت جمع مؤنث سالم (رباطات)؛ فحينما وصف المقدسي طرابلس قال: «ومعاملة محمودة ومذهب في طاعة السلطان سديدة ورباطات كثيرة ومحبة للغريب أثيرة» أ.هـ. ووصفها ابن بشير البكري قائلا: «وفيها رباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون أعمرها وأشهرها مسجد الشعاب» أ.هـ. وهو بذلك يرى أن ملازمة المسجد تعد مرابطة، فوظـّف المعنى الاصطلاحي.
وجمعت جمع تكسير، حينما تعرض الباحث محمد هشام النعسان إلى التعليم في طرابلس الغرب حيث قال: «بالإضافة إلى وجود أماكن متعددة كانت ملتقى لطلبة العلم كالمكتبات ومنازل العلماء، وحوانيت الوراقين، والأربطة»أ.هـ.
يحكي لي أحد الأصدقاء وهو الأديب الليبي زياد علي، وقد كان يشغل وقتئد (الأمين العام للدعوة العالمية الإسلامية) حيث قال:«إن المرابطين في طرابلس في الغالب ينشئون الزوايا على الساحل البحري، ويرابطون فيها ليلا، يقرأون القرآن ويتهجدون ويتربصون اللصوص الذين ينزلون من سفن القرصنة الكبيرة بقوارب صغيرة للسرقة واختطاف الأطفال» أ.هـ. وهو بهذا الحديث أيضا يرى أن ملازمة الزاوية تعد مرابطة، فوظـّف المعنى الاصطلاحي.
«ورَبـَط الدابة يـَرْبـِطـُها، ويـَرْبـُطـُها رَبْطا وارْتـِباطا، والفرق بين (المـِرْبـَط) ما ربط به، و(المـَرْبـِط) موضع الربط» أ.هـ. معجم لسان العرب. وقد قال الحارث بن عباد التغلبي سيد بني وائل، عن فرسه التي سمتها العرب بـ(النعامة) لخفتها يقول: «قربا مربط النعامة مني... لقحت حروب وائل عن حيال»، ويجيبه المهلهل قائلا «قربا مربط المشهر مني... لكليب الذي أشاب قذالي» أ.هـ. من كتاب «أيام العرب في الجاهلية». وللحديث بقية.
- المصدر: كتابنا (الرباط والمرابطة) 2011، دار الجائزة للنشر. الكتاب للإهداء وليس للبيع.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي