عشق دي روسي ... لا يُصرف في «بورصة الانتقالات»
جاء إعلان نادي بوكا جونيورز الأرجنتيني لكرة القدم، قبل أيام، عن تعاقده مع لاعب الوسط الدولي الإيطالي السابق دانييلي دي روسي، بموجب عقد لمدة عام واحد «مختلفاً» عمّا شهدناه، في الآونة الأخيرة، من تحركات للاعبين متقدمين في السن، بعد ابتعادهم عن «المسرح الأقوى».
في العادة، يتجه اللاعب في «فترة التقاعد» إلى قطر أو اليابان أو الصين أو ربما إلى الولايات المتحدة، بحثاً عن «ملايين الوقت الضائع»، بيد أن دي روسي، بطل العالم 2006 في ألمانيا، اختار العاطفة على حساب المردود المادي.
وكان دي روسي البالغ من العمر 36 عاما لعب نصفها (18 عاما) مع روما، صرح قبل وصوله إلى الأرجنتين: «لم أستطع إنهاء مسيرتي من دون اللعب مع بوكا».
من النادر أن نسمع تصريحاً من هذا النوع في أيام ما يعرف بـ«عالم الاحتراف» الذي يتحكم فيه وكلاء اللاعبين بسوق الانتقالات، مستخدمين الوسائل كافة، على اختلاف «فداحتها»، للحصول على «السعر الأعلى» لهم ولموكلهم، إلى درجة دفعت بالاتحاد الدولي للعبة (الفيفا)، إلى الإعلان عن رغبته في وضع حد لهذه الظاهرة، بيد أنه عجز، حتى اليوم، عن ضبطها.
والأمثلة عن «فوضى الانتقالات» أكثر من أن تحصى، فها هو البرازيلي نيمار دا سيلفا يصرّ على الرحيل عن باريس سان جرمان الفرنسي والعودة إلى برشلونة الإسباني، وها هو المدرب الفرنسي زين الدين زيدان «يطرد» الويلزي غاريث بايل من ريال مدريد الإسباني قبل أن يجد نفسه أمام حتمية الإبقاء عليه.
أما الدولي الألماني ليروي ساني فقد دخل بورصة الانتقالات بقوة، في الصيف الراهن، وسط تقارير شبه يومية تتحدث عن تمسك مانشستر سيتي الإنكليزي به، وأخرى تروي قصة التحاقه بصفوف مواطنه بايرن ميونيخ.
وكم عاشت صفقة الهولندي ماتيس دي ليخت صعوداً وهبوطاً في «المزادات» قبل أن يستقر به المقام في يوفنتوس الإيطالي بعد تألقه مع أياكس أمستردام.
من جهته، قرر البرازيلي داني ألفيش، المتوج مع منتخب بلاده بلقب «كوبا أميركا»، بعد انتهاء عقده مع باريس سان جرمان، عرض نفسه للبيع حيث كتب على أحد حساباته الرسمية: «أبحث عن عمل... أين أقدم سيرتي الذاتية؟».
هذا الواقع المادي «المرير» يعيدنا، بحسرة، إلى العام 1979 عندما بات ستيف ديلاي أول لاعب إنكليزي ينتقل من نادٍ إلى آخر (وولفرهامبتون إلى مانشستر سيتي) مقابل أكثر من مليون جنيه استرليني.
هذه الصفقة هزّت المملكة البريطانية وَحَدَت بـ«الخزينة» إلى فرض ضريبة على انتقالات لاعبي كرة القدم.
اللافت أن الأندية صاحبة الملاءة المالية الوافرة لا تنظر إلى دراسات دقيقة جرى إعدادها على «مذبح الانتقالات».
صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، مثلاً، اختارت 69 من أكبر الأندية في «القارة العجوز» وأخضعتها لدراسة بين العامين 2011 و2015 لتستنتج بأن أتلتيكو مدريد الإسباني وإيفرتون وتوتنهام وساوثمبتون الإنكليزية هي الوحيدة التي حققت نتائج متناسبة مع الميزانية التي خصصتها لضم اللاعبين، في الوقت الذي غابت فيه الأندية العملاقة.
ألم تسأل كبرى الأندية عن السر في ذلك؟ دراسة أخرى كشفت أن الإسباني رافايل بينيتيز صرف، خلال فترة الست سنوات التي تولى فيها قيادة ليفربول الإنكليزي، ما مجموعه 122 مليون جنيه استرليني على ضم لاعبين، مقابل 27 مليوناً فقط خلال الفترة ذاته للـ«سير» الإسكتلندي أليكس فيرغوسون على رأس مانشستر يونايتد، والنتيجة أن الأول لم يفز بتاتاً بلقب الدوري الممتاز بينما حقق الثاني اللقب في ثلاث مناسبات.
هذا يعني بأن المال لا يفعل «كل شيء» في كرة القدم. لا شك في أنه يعتبر «محاولة» لتحقيق النجاح لكنه وحده لا يكفي.
خير مثال على ذلك باريس سان جرمان الفرنسي، الذي حاول ملّاكه القطريون تحويله إلى زعيم لـ«القارة العجوز» فسخّروا له الملايين، بيد أن المشوار كان ينتهي بالفريق دائماً بخيبة. صحيح أن النادي الباريسي فرض سيطرة مطلقة على المقدرات المحلية، بيد أن ذلك ما عاد يكفي إذا ما قورن بحجم الإنفاق القطري.
الأمر نفسه حدث في إنكلترا، مع مانشستر سيتي، الذي لم يبخل ملّاكه الإماراتيون في دعمه، خصوصاً بعد وصول المدرب الإسباني الفذ جوسيب غوارديولا. صحيح أن الـ«سيتيزنس» فشلوا في فرض أنفسهم على الساحة الأوروبية، بيد أنّ التتويج بقلب الدوري الممتاز لموسمين متتاليين، مع كل الصعوبات والمنافسة الشرسة من أكثر من طرف، يمنح «السماوي» عذراً مقبولاً إزاء الفشل القاري.
واللافت في إنكلترا هو تحوّل مانشستر يونايتد، من نادٍ جاذب للنجوم إلى نادٍ يريد البناء للمستقبل، مع كل ما سيكلف ذلك من صبر لدى الجماهير العاشقة. حتى عندما سعى «الشياطين الحمر» للحصول على خدمات هاري ماغواير من ليستر سيتي، وكانت الصفقة أقرب من أن تتم، ظهر الجار اللدود «سيتي» على خط المنافسة على اللاعب كي يعكر على «يونايتد» صفو المفاوضات، وهو الأمر الذي حدا بلسيتر الى المبالغة في السعر المطلوب وصولاً إلى تحديد 80 مليون جنيه استرليني دون التنازل عن جنيه واحد مقابل التخلي عن لاعب «منتخب الأسود الثلاثة».
فجأةً، اختفى «سيتي» عن «بورصة ماغواير»، وبقي «يونايتد» يصارع خياله. وهنا، ما عاد ليستر قادراً على الرجوع بالسعر، فتجمدت الصفقة.
تقارير صحافية إسبانية كشفت عن قيام مانشستر سيتي، بالاستفسار من برشلونة، عن إمكانية ضم ظهيره الأيمن البرتغالي نيلسون سيميدو بعد توقف المحاثات مع يوفنتوس في شأن ضم لاعبه البرتغالي الآخر جواو كانسيلو.
ولكي يقنع برشلونة نجمه بالبقاء أمام مغريات اللعب تحت قيادة غوارديولا والحصول على أموال تفوق ما يحصل عليه في «كامب نو»، قرر المدرب ارنستو فالفيردي بطلب من الإدارة، نقل سيرجي روبرتو من مركز الظهير الأيمن إلى الوسط كي يجعل من سيميدو ورقة أساسية في خط الظهر مكانه.
روبرتو أبدى خشيته من التحول إلى الوسط، بيد أن ضرورة الإبقاء على سيميدو مع «العملاق الكاتالوني» سيجعله يقبل بالدور الجديد، وإن على مضض.
ونعود إلى دي روسي الذي خاض 616 مباراة مع روما وسجل له 63 هدفا في المسابقات كافة وأحرز معه الكأس الإيطالية (2007 و2008) والكأس السوبر (2007). لا شك في أنه سجل متواضع للاعب كبير رفض العديد من عروض الانتقال إلى أندية قادرة على الفوز بالكثير.
اليوم، انتقل دي روسي إلى بوكا جونيورز بسبب عشقه للنادي الأرجنتيني منذ الصغر وولعه بحماسة جماهيره وارتباطه بالأسطورة دييغو مارادونا.
كم «دي روسي» موجود، اليوم، في الملاعب؟ سؤال «ساذج» بالنسبة إلى بورصة انتقالات حوّلت اللعبة الأكثر شعبية، إلى «مزاد» لا يعلو على صوته إلا «حفيف» ملايين الدولارات.